كشفت وسائل اعلام ومقاطع فيديو في منصات وسائل التواصل عن مشاهد مؤلمة عكست للعالم مدى العذاب و حجم المعاناة و قسوة المعاملة التي تتألم منها شريحة كبيرة من الناس تحت حكم أنظمة سياسية مستبدة بقيادة طغاة مجرمين في بعض من دول العالم حيث ويلات السجون والعذاب الشديد في مراكز الاعتقال التي تفتقر لأبسط مبادئ الرعاية الإنسانية للسجناء والمعتقلين مثلما شاهد العالم مؤخرا من قبور مظلمة وشبكات معقدة من السراديب و الأنفاق العميقة تحت الأرض في سجن صيدنايا سيء السمعة و شديد التعذيب على أيدي السجانين والجلادين و الجزارين والسفاحين إذ يمكن مشاهدة الجماجم و الهياكل العظمية والدموع السائلة والدماء النازفة في أعماق الأرض حيث لا يسمح حتى بدخول بصيص النور أو نسمة الهواء أو لقمة الطعام و رشفة المياه النقية ناهيك عن غياب الخدمات الإسعافية لمن شارفوا على الموت في غياهب السجون الصيدنائية البغيضة.
وهنا وكما ذكرت في مقال سابق بعنوان النازحون و موقف المجتمع الدولي، فقد يتساءل البشر عن غياب ما يسمى بالضمير الدولي و عن دور المنظمات الحقوقية الأممية ازاء ما جرى و يجري في هكذا سجون و مقابر جماعية، و إزاء سياسات التهجير والتجويع والتشريد رغم أن بعض الدول التي تتواجد فيها مثل هذه السجون والأنفاق ومصانع المخدرات، وتطبق فيها مثل هذه السياسات قد تكون دولا اعضاء في منظمات حقوقية و أممية، وحتى ان لم تكن كذلك ، فكيف يتهاون المجتمع الدولي أو يغض الطرف عما يجري من مآسي و عذابات وانتهاكات لحقوق الانسان المعتقل رغم مناشدات أحرار العالم بضرورة احترام الحقوق الانسانية في المقابر و الملاجئ والسجون ؟!
و كنت ذكرت في مقالات كثيرة عن الحروب والنزوح واللجوء والقمع والتعذيب أن البشر لا يمكنهم العيش بسلام على كوكب الأرض ما لم تستجيب المنظمات الدولية لصرخات المنكوبين و صيحات الثكالى والمعذبين بسبب سياسات بعض الأنظمة القمعية الديكتاتورية التي لا يهمها سوى بقاء أنظمتها و أحزابها ووكلاءها على أشلاء البشر و أنقاض المباني والمساجد والمدارس والمعابد والملاجئ، إذ من الصعب السكوت عن تلك الانتهاكات والتحالفات السياسية والعسكرية ضد البشرية التي ضاقت ذرعا بمستوى المعيشة والظلم والجوع و الفقر والحرمان حتى من حقوقها المشروعة في ممارسة عباداتها وبناء مساجدها ومدارسها و منازلها .
والغريب أن بعضا من قادة هذه الأنظمة القمعية يجدون في دول كبرى من يأويهم و يحميهم و يستقبلهم بعد و قبل سقوط انظمتهم و تيسير هروبهم مقابل الاستفادة من المليارات المهربة، وأيضا مقابل وجود قواعدهم العسكرية على الأرض التي ارتكب فيها الطغاة أبشع الجرائم الإنسانية في تاريخ البشرية كما أشرت في مقال سابق بعنوان " وصلت الى ليبيا بعد خراب سوريا".
في تقديري كمراقب للشأن الدولي والإقليمي أنه لا ينبغي لتلك الرموز القمعية ممن ارتكبوا جرائم حرب و ابادة جماعية ضد المدنيين و أصحاب الأرض الأصليين، و ممن اتبعوا سياسات واجراءات قمعية وتعسفية ضد شعوبهم ولاذوا بالفرار، أن تفتح لهم دول اخرى مجالها الجوي و تأويهم في الفنادق والقصور أو تساندهم و تدعمهم بالمال والسلاح في تحد صارخ لمبادئ القانون الدولي و لإرادة المجتمع الدولي و قرارات المحكمة الجنائية الدولية إذ لن يتمكن العالم قاطبة من العيش بسلام في ظل الانتهاكات وفي ظل الإحتلال والأطماع التوسعية لبعض الدول الإقليمية في الشرق الأوسط و التواجد العسكري للدول الكبرى في المنطقة بذريعة محاربة الإرهاب كما أوضحت سابقا في مقال بعنوان " معركة الموصل وشعار الحرب على الإرهاب", ذلك أن دولا كبرى في العالم تبحث عن مناطق التوتر في الشرق الأوسط بل و تستثمر قدراتها العسكرية في مستنقعات التوتر والصراع وتساهم حتى في اشعال الحرائق لكي تنعش اقتصاداتها و تبسط نفوذها وهيمنتها كما اوضحت في مقالات سابقة بعنوان " الاستثمار الأجنبي في مناطق التوتر"، و " ماذا بعد اشعال الحرائق في الشرق الأوسط"؟!