قبل عدة سنوات، كانت لي زيارة لا تُنسى إلى الشريط الساحلي الغربي للمملكة العربية السعودية، بدءًا من محافظة الليث مرورًا بمحافظة القنفذة ومراكزها، وصولًا إلى مركز حلي. رحلة قصيرة في الزمن، لكنها زاخرة بالمشاهد التي تتجلى فيها روح الوطن ونبضه الحي. كانت هذه المناطق أشبه بلوحة فنية، تمتزج فيها الطبيعة الساحرة مع الإنسان المفعم بالإخلاص والانتماء، حيث لامست قلوبًا تنبض بالحب للوطن وقيادته الرشيدة.
أثناء تجوالي في هذه المناطق، لمست بأم عيني روحًا نابضة بالولاء، تُترجمها تفاصيل الحياة اليومية. رأيت التطور العمراني الذي يروي قصة تحول هذه المناطق من بساطتها إلى ملامح حضرية حديثة، تعكس رؤية مستقبلية زاهية. المشاريع التنموية التي تشهدها القرى والمراكز هناك ليست مجرد أبنية أو جسور، بل هي جسور معنوية تعبر بالأهالي إلى حياة أكثر رخاءً واستقرارًا.
ما شد انتباهي أكثر هو الإنسان؛ حيث التقيت برجال يفخرون بانتمائهم لهذه الأرض المباركة. رأيت المهندس الذي يسعى لتطوير البنية التحتية، والدكتور الذي يعمل بجد لتقديم الرعاية الصحية المثلى، و المعلم والمعلمة الذين يشكلون أساس التربية والتعليم. كان الأطفال في هذه المناطق يشعّون ذكاءً وفضولاً، ويتلقون التعليم بروح منفتحة وعقول متوقدة. لم يكن هذا مجرد صدفة، بل نتيجة حب صادق للعقيدة الإسلامية الصافية، وإخلاص عميق للوطن وقيادته الرشيدة.
وفي مركز حلي، كان المشهد أكثر خصوصية، حيث تتجلى الطبيعة البكر في أبهى صورها، وكأنها تخاطب الزائر لتقول له: هنا وطن العطاء والانتماء. أهل حلي يتميزون بكرم الضيافة، وحفاوة الاستقبال، وحرصهم على إبراز تاريخ منطقتهم وإسهاماتها في مسيرة الوطن. تحدثت مع كبار السن الذين نقلوا لي حكايات عن أزمنة مضت، وكيف كانت الحياة بسيطة لكنها مليئة بالمبادئ والقيم التي تشكل اليوم قاعدة صلبة للجيل الجديد.
ما يلفت النظر في هذه المناطق هو التناغم بين أصالة الماضي وتطلعات المستقبل. تجد في حديث سكانها مزيجًا من الفخر بتاريخهم العريق والحماسة لتحقيق رؤية وطنهم الطموحة. أذهلتني تلك الروح الوطنية التي تتجسد في كل شبر من هذه الأرض، بدءًا من حرص الأهالي على تعليم أبنائهم وانتهاءً بإسهاماتهم في مختلف المجالات التنموية.
تجربتي في زيارة الشريط الساحلي الغربي كانت درسًا حقيقيًا في معنى الولاء والانتماء. أدركت أن هذه المناطق ليست مجرد أماكن على الخريطة، بل هي نبض من نبضات الوطن، تُثريه بأناس يؤمنون بأن العمل والإخلاص هما السبيل لتحقيق المجد. ستبقى هذه الزيارة محفورة في ذاكرتي، لأنها أكدت لي أن أبناء هذا الوطن - في كل زاوية منه - هم السند الحقيقي لرؤيته ومستقبله.
إن الأمل والتطور هما عنوان حياة أهالي الليث والقنفذة وحلي، الذين يحملون في قلوبهم عقيدة صافية وولاء راسخًا، ويعملون بجد لتحقيق أحلام وطنهم. يثبتون يومًا بعد يوم أن المملكة العربية السعودية، بجميع مناطقها وأبنائها، تمضي قدمًا نحو مستقبل مشرق بقيادة حكيمة ورؤية طموحة.