"من الالتزام إلى التأثير" ليس مجرد شعار، بل عنوان لتحول عميق يغير المفهوم التقليدي للمسؤولية الاجتماعية، لينقلها من حيز التبرعات والمبادرات الخيرية إلى نموذج ريادي يحتذى به عالميًا، تحت مظلة رؤية 2030، تعيد السعودية تشكيل هذا المفهوم ليصبح أداة استراتيجية تعزز التنمية المستدامة وتتماشى مع التحولات العالمية ولم تعد المسؤولية الاجتماعية مجرد التزام عابر، بل غدت عنصرًا حاسمًا يسهم في بناء مجتمع متوازن واقتصاد مزدهر.
شهدت المملكة حدثًا بارزًا بإطلاق النسخة الأولى من الملتقى الدولي للمسؤولية الاجتماعية 2024، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، حمل الملتقى شعار "من الالتزام إلى التأثير"، ليؤكد أن المرحلة المقبلة تتطلب دورًا أكبر وأكثر فاعلية من القطاع الخاص في تعزيز التنمية، إن حضور نخبة من الوزراء والخبراء الدوليين ورؤساء الشركات الكبرى يعكس أهمية الحدث، ويمثل منصة للحوار وتبادل التجارب حول أفضل الممارسات لتحقيق الأثر الاجتماعي والبيئي.
وفي كلمته الافتتاحية، وصف المهندس أحمد الراجحي، وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، تجربة السعودية بأنها "قصة تحول وتمكين ملهمة" ولم تتعامل المملكة مع المسؤولية الاجتماعية بوصفها نشاطًا هامشيًا، بل دمجتها في صلب استراتيجياتها التنموية وضمن رؤية 2030، تم تشكيل لجنة للمسؤولية الاجتماعية بقرار من مجلس الوزراء، واعتماد يوم 23 مارس يومًا وطنيًا للاحتفاء بالمبادرات المجتمعية، كما تم إطلاق منصة وطنية تُعزز الشفافية وتُتيح للجميع متابعة مساهمات الشركات في التنمية.
نتائج هذه الجهود لم تتأخر في الظهور؛ فقد ارتفعت نسبة الشركات الكبرى التي تقدم برامج للمسؤولية الاجتماعية من 30% في 2019 إلى 65% في 2023، وتضاعفت مساهمات القطاع الخاص في الإنفاق الاجتماعي، لتصل إلى 4.15% من إجمالي الإنفاق، بعد أن كانت 1.19% فقط قبل أربع سنوات.
هذا التحول لم يقتصر على الداخل، بل ارتقت المملكة إلى المرتبة 16 عالميًا في مؤشر المسؤولية الاجتماعية ضمن تقرير التنافسية العالمية لعام 2024، بعد أن كانت في المرتبة 41 عام 2021.
أن انعقاد الملتقى يأتي في وقت تتصاعد فيه مكانة المملكة على الساحة الدولية من خلال مشاركتها الفعالة في قمة المناخ 2023، واستراتيجياتها في تعزيز الطاقة النظيفة، تؤكد أن التزام السعودية يمتد إلى ما وراء حدودها، ليشمل المساهمة في مواجهة التحديات العالمية.
السعودية اليوم لا تتحدث عن المسؤولية الاجتماعية بوصفها التزامًا أخلاقيًا فحسب، بل تقدمها كنموذج عملي للتنمية المستدامة. ومع اقتراب عام 2030، تطمح المملكة إلى أن تكون ضمن أفضل الدول عالميًا في هذا المجال، هذا الطموح يعكس رؤية تتجاوز الإنجاز المحلي لتضع السعودية في مقدمة الدول التي تبني مستقبلًا أكثر استدامة وعدالة.
المسؤولية الاجتماعية في السعودية لم تعد مجرد نشاط تطوعي أو مبادرة خيرية، بل أصبحت أداة فعالة لصياغة مستقبل يلبي تطلعات الأجيال القادمة، الشراكة بين الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني باتت حجر الزاوية في هذا النموذج المتطور، بهذا النهج، تصبح التنمية مسؤولية جماعية يقودها الجميع، في رحلة مشتركة نحو التغيير الإيجابي.
وفي الختام، يبقى التساؤل: كيف يمكن لكل فرد في المجتمع أن يساهم في هذه الرؤية الطموحة ويكون جزءًا من التغيير الإيجابي؟ بفضل هذا الالتزام، تُظهر السعودية أنها ليست فقط في رحلة لتحسين واقعها، بل تُعيد تعريف المسؤولية الاجتماعية بما يتماشى مع تحديات العصر، لتغدو نموذجًا عالميًا يحتذى به