ما الخطأ الذي حدث في المجتمع الاستهلاكي؟! الجواب على السؤال بكل سهولة هو: لا شيء. فالاستهلاك عند بعض الاقتصاديين، ليس مشكلة، بل يفترض أنه حلٌّ يضمن الرفاهية بالقضاء على الألم وإيجاد متعة وتوفير منفعة.
وهكذا فإن الاستهلاك هو الطيب الذي يحل مشاكل الشرير المختلفة (الجوع، البرد، الضجر...). هذا الاتجاه في معظمه، يؤكد على الخصائص الوظيفية أو النفعية للسلع والخدمات.
إذ توفِّر الملابس للمرء الدفء، أي تسبب له السعادة، ويشبع الغذاء الجوع أي يرضي حاسة التذوق، وتنقل المواصلات المرء من مكان لآخر.
وليس بالشيء الجديد حقيقة أن أنماط الإنفاق تختلف حسب الطبقة الاجتماعية. فمنذ زمن جادل ثورشتاين فبلن في مؤلفه (نظرية الطبقة المترفة) أن الاستهلاك الواضح كان الوسيلة التي يكشف الأفراد بها عن مواردهم الاقتصادية وبالتالي عن وضع اجتماعي مستقر.
ويؤكد بورديو بأن الطبقة الاقتصادية ليست هي فقط التي تؤثر على أنماط الاستهلاك لكن أيضاً ما أسماه برأس المال الثقافي. وفي رأيه أن الناس تكتسب رأس المال الثقافي من خلال التنشئة الاجتماعية والأسرية، ومن خلال الخلفية التعليمية. ويشكِّل رأس المال الثقافي هذا أذواقهم وما يفضلِّون.
بداية من ثمانينات القرن التاسع عشر ظهر ما أطلق عليه النزعة الاستهلاكية الجديدة. وهي أكثر رقياً. فالناس أكثر عرضة لمقارنة أنفسهم مع أساليب حياة الطبقة الأعلى في التسلسل الهرمي الاقتصادي.
ومن الأسباب الرئيسة لهذا التعبير، هو تراجع دور الجيران، إلى جانب أن الاحياء أصبحت تضم أفراداً من ذوي الدخل المماثل. ولأن الناس أصبحوا يقضون وقتاً أقل في منازل جيرانهم، وحتى في بيوت الأصدقاء، فقد جاءت مشاهدة التليفزيون لتحل مقام العلاقات الاجتماعية. وهكذا زادت أهمية التليفزيون كوسيلة لتوفير المعلومات حول أنماط إنفاق الآخرين.
وشخصيات التليفزيون أصدقاء التسعينات هم المصدر الرئيس لأفكار الاستهلاك وللتوقعات والتصورات والتطلعات والمقارنات.
في الواقع، من المغري التكهن بمشكلة طويلة المدى وهي التحكم في المستهلك. وإذا أخذنا منظور القرن الماضي بأكمله قد يتساءل المرء عما إذا كان يمكن للبشر أن يتحكموا في أنفسهم بشكل كاف في هذه الجنة الاستهلاكية الحديثة.
وبما أن وسائل الاعلام والتواصل الاجتماعي أصبحت أكثر أهمية في جميع أنحاء العالم، فيمكننا ملاحظة الدور الكبير والمتزايد لتلك الوسائل في تحديد تطلعات المستهلك.
هكذا، عالمياً، فإن ثقافة الاستهلاك قد تكثف عملية الإنفاق التنافسي.
وأخيراً فإن ظهور فجوة التطلع تسببت في عدم الارتياح المستمر بين المستهلكين، والذي لا يمكن علاجه على أي مستوى من الدخل المطلق.
فإذا كان ما يريده الناس يتحدد إلى حد كبير بما لدى المجموعة الثرية ذات الدخول المتزايدة فسيكون ما زال لدى أعداد كبيرة من الناس الاعتقاد بأنها لم تحقق ما يكفي. هذا التطلع، إلى جانب، السلوكيات المدمرة المرتبطة به، يحدث مأساة مستمرة في المجتمع الاستهلاكي الحديث.
للتواصل : zrommany3@gmail.com
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية