مناسبة جمعتني ، والوجهاء عند أحد الأخوة الأفاضل بحي العوالي مكة المكرمة . صيف عام ١٤٢١ . مساء يوم الخميس ليلة الجمعة . النصف الأخير من شهر شوال ، ولا حدس المجتمعون من خيار المجتمع ترفاً وثراءً " الطبقة المخملية " التي لها نشاط عقاري ، ونفوذ إجتماعي . يتبادلون أطراف الحديث فيما بينهم في مجلس فسيح . تسمع أصوات ضحكاتهم ، وتهكماتهم يضج بها جنبات المجلس . انشرحت صدورهم وزان لهم الحديث ، وتجاذباته متنقلين بين موضوعات عدة ، والحوار والنقاش حاد بينهم . يدور من شخص لأخر ، فالشيء بالشيء يذكر ، ويستجر موضوعات شتى . تسمع قهقهت أصواتهم من فينة لفينة ، وان تعددت موضوعات الحديث لا شك كان من ضمنها أو صلبها زواج المسيار جل حديثهم أنصب على زواج المسيار ، وتباينت آراءهم ، ووجهات النظر بين الحل والحرمة لا ثالث لهما ، فالبعض ذكر ان العلماء المعتبرين اجازوا زواج المسيار لا سيما من في سن الشباب . عقد النكاح مكتمل الاركان دون تحديد عالماً بعينه ، والبعض ذكر بسأل أهل الذكر حملوه على الكراهية ، وان كان الأصل الاباحة اشتماله صحة شروط النكاح ، والبعض الاخر في أضيق الحدود الضرورة تبيح المحضور من كانت تخدم والديها أو ترعى أحدهما أو عاملة ، وليس لديها محرم تضطر لزوج المسيار كمحرم وضلع تأنس به ، وتتقوى بالزوج كرجل يأوي إليها ، وحس الزوج أولى من عدمه بشطريه الفعلي ، وشبه الفعلي " المسيار " خيار راجح ليس من عدمه ، وبالعرف بعض النساء تتنازل عن جزء من حقوقها الزوجية تنازلاً اضطراريا مكرهه ، ولم ينكر أحد على ذلك ، ويستشهد بفعل أمّ المؤمنين سوده رضى الله عنها ، وعلماء الشريعة في جانب الحرمة في زواج المسيار سوى مكتمل الأركان أو خلافه قياس أمّ المؤمنين سودة رضى الله عنها ، وأفضل الصلاة والتسليم على زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قياس مع الفارق . يرون عدم الجواز الأغلب الاعم فالزواج لأركانه اركان مكملة لأركان النكاح المودة والرحمة والديمومة والانصاف في المبيت لمن له زوجة أخرى والولد ، وابتغى الولد حق ديني وسماوي لطرفين ، وليس المتعة ، ومقاصد الزواج جمع بين المتعة والولد والخدمة ، وملتمسوا زواج المسيار اغلب مقاصدهم المتعة ، وتنصب على التذوق ، وليس الولد والخدمة ذريعة للمتعة التي حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتحقيق نظرية سارتر الفرنسي " الغاية تبرر الوسيلة " ، بالتذوق والمتعة ، وكلاهما المتعة والتذوق غير مقبولة في ميزان الشرع والعرف ، وقد نحى أحد الحاضرين في منأى بعيداً جداً عن مقاصد الشريعة طالما وجد العقد وحصل التوافق بين الطرفين بالايجاب والقبول جائز زواج المسيار . سد لذريعة الحرام ، والإنسان الثري يتمتع بالتنقل بزواج المسيار كالنحلة تنتقل بين الزهور تكتسب عبقاً طيباً وغذاءً شفاءً ، والضروريات تبيح المحضورات ، والزمان وعصرنته ، والأحوال تتغير من حال لحال غير ثابته ، والعبرة ليست بالعقد إنما بمقاصد العقد ، والعقود تتنوع من حيث الحل والاباحة والحرمة والنهي ، وعقود فاسدة لما تطوي في طرفيها من البطلان وعقود منهي عنها ما يتردد في طرفيها الغرر والجهالة غير معلوم مقدار التحقق لا يخرج زواج المسيار منها احتمالين مقراً أو ممراً ، والشيء إذا تطرقه احتمال بطل وفق القاعدة الأصولية ، وعقد المسيار يحمل على الغرر لانه مجهول التحقق وغير معلوم الأبعاد بثلاثيته: " الحدية والحقيقية والكلية " ، والشيء اذا تطرقه جهالة بطل ، والمسلم مامور بتجنب المشتبهات وفق أحد ركائز الاسلام " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثيراً من الناس " والمشتبهات هي الأمور التي تكون غير واضحة من حيث الحل والحرمة لا يعلم حلالها من حرامها ، ويدخل في ذلك الأمور المشكوك فيها كزواج المسيار ، وان نحى بالجواز المجمع الفقهي الإسلامي في دورته الثامنة عشرة بقراره الخامس عام ١٤٢٧ بإباحته . نحترم المجمع الفقهي ، وما ذهب اليه من قرار ، وكلاً يؤخذ منه ، ويرد إلا صاحب هذا القبر رسول الله صلى الله عليه وسلم .
طرح رجل من الحاضرين ثري من أهل العارض " الرياض " أزف السبعين من العمر ، ويمتلك ابراج حول الحرم الشريف يتطلب تواجده بابراجه شهور العمرة والحج ، وإنه يود زواج مسيار من مكة على حد قوله:" مكاوية " ، ويرغب من الحاضرين ان يدلوه على بيوت ترغب المسيار ، وبين ناصح عن الفكرة ، ومؤيد لها.
قطع المضيف الحديث بقوله: تموا على العشاء ، ونهض الجميع لصالة الطعام ، وتناولوا طعام العشاء بما لذ وطاب ، وبعد ان شكر الجميع ، ودعوا للمضيف " ان يمده الله ، ولا يضده ، ويكثر الله خيره ، وينعم عليه بالمزيد " أكّل طعامكم الابرار وصلت عليكم الملآئكة.
وفي المغاسل أسررت لصاحب الأبراج أريده على جانب أثناء تناول حساء الشاي بالمجلس ، وجلسنا متجاورين سوياً بجانب بعضنا ، فقلت: تريد ان تجاور النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة فقال: من يترك جوار النبي بالجنة إلا من أبى . قلت: تزوج أم أيتام تكسب الأجرين نفقت على أرملة ، وأيتام تلتمس فيهما الأجر ، ومجاورة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، فقد انصرم من عمرك جلّه ، فاكتسب ما بقي من جله بضم أم وأيتامها ، فقال: مخصص مبالغ مالية شهرياً للجمعيات الخيرية ، وتحفيظ القران الكريم للأيتام فضلاً تعهدي نفقات لأسر أيتام في محيط سكني بالرياض بخلاف مسقط رأسي بحريملة تعهدي جمعيتي الخيرية ، وتحفيظ القران آلكريم الأسر أيتام ، فقلت هذا أحسن تؤجر عليه ، ولكنه حكماً بطريق غير مباشر لا تعلم تصل أو لا تصل أو في إيصالها نقص ، ولكن حسياً أفضل ، فقال: كيف حسياً ؟ تتزوج أم أيتام تحت نظرك وحسك مباشرةً ، وتكسب الحسناوين الدنيا والاخرة ، ويصلح بصلاحك الأيتام في مجتمعك ، ومحيطك الاجتماعي ، فأطنب كثيراً ، واستحسن الفكرة .
اتصل بي بعد هذه المناسبة بشهر أن ابحث له عن أمّ أيتام من عائلة محترمة ، وذات ذكر غير خامل . وقد اجتهدت بالبحث عن أمّ أيتام ، فذكر مسؤل مبرةالشيخ/ حسن بن خالد الرويس يرحمه الله في بيان مساعداتهم أم أيتام بجعرانه توفى زوجها كداد تكسي عنها ، وفي حدود ٢٢ من العمر ما تزال صبية وفتية ، وخلف طفلين منها ، وكان ساكن في بيت إجار ، فاخرجها وطفليها مالك البيت عدم قدرتها سداد أجرة البيت .
ضمها أخوها عنده بالبيت وطفليها ، وهو مستعيل من زوجته خمسة أولاد ، وأخوها على باب الله . حد الكفاف ، ونشأ خلاف بين زوجته ، وأخته . أضطرّ يتحاشى الخلاف بين زوجته وأخته . أستأجر بيت شعبي متهالك شبه خرابة لأخته وطفليها مكون من غرفتين ، ومطبخ صغير ، ودورة مياه واحدة بدون غطاء مكشوفة السقف ، وإذا هطل المطر يخر عليهم من جوانب السقف . تتلقى أخته مساعدات من بعض الميسورين المجاورين بإدلال أمام المسجد المجاور بالاضافة للمبرة أنفة الذكر أعلاه .
جرى التنسيق مع أخيها بالموافقة ، وظهرت معارضات من الأقرباء تدعمهم طائفة من جماعتهم ، وعشيرتهم التي تأويهم مبرراتهم عدم كفاءة النسب ، وليس من نسيج فصيلتهم التي تأويهم فضلاً من الاغنياء والاثرياء غير محدود الدخل ، وهم من البسطاء محدودي الدخل لا يستويان والثوب من رقعته ، وإذا اختلفت الرقعة شبهر الأنظار فيه ، وملفت للأنظار . فأخبرته ان يفصح لهم من عنده استعداد لزواجها يضمها ويتيميها يتقدم الأولوية لهم ، فان رفضوا لا يحرموها النصيب الذي جاء ، فالخيرة مختاره المولى . زوجها الرجل المليء خيراً لها ولطفليها ، ولكم ويكفيكم عنى النفقة والمتابعة والمؤنة ، وأنا ناصح لكم أمين ، فقال: يجمعوا أمرهم ، ويقطعوا حبل الوصل معهم ، ويخرجوني من الخامس لمخالفتهم أمرهم ، وعدم موافقتهم ، والإذعان لمصلحة القبيلة . ذكرت له فاليكون ذلك من الخامس للسادس فأنت في ظل دولة ، ومؤسسات مدنية ، وليس في ظل قبيلة أو طائفة ، والله خلق البشرية من ذكر وأنثى ليتعارفوا بالنسب والرحم والمصاهرة والمجاورة وحقول العمل وتلاقح الثقافات والفكر ، والتعاون على البر والتقوى ، لا الاثم والعدوان ، أكرمكم عند الله أتقاكم . زواج أختك من هذا الإنسان من أجل التعاون على البر والتقوى . هو بحسبه ، وأنتم بنسبكم ، وتعزيز صلة الرحم والتعارف وفق نص النقل والعقل ، والمصلحة راجحة في زواجها . يساعدها بالأنفاق والمعيشة ، ويتحمل عنها مشقة تربية اولادها، وفي نهاية المطاف بحمدلله تمت الموافقة النهاية .
تم عقد القران بين أمّ الأيتام والثري ، وسارت أمورهما على ما يرام أسكنها بحي العوالي بفلة ودرس طفليها بالمدارس الأهلية المتميزة . استبدلها الله بزوج عن زوجها الفاني ، وفله عن البيت الشعبي ، وحي مميز راقي من الاحياء الذكية ، والبنية التحتية المتميزة عن حيّها العشوائي فضلاً من الله وكرماً . يرزق الله من يشاء بغير حساب . الصبر والتحلي به فرجاً لها بعد عسر وشضف العيش الصعب .
بعد مرور قرابة شهرين من زواجهما أتصل بي الزوج يشكر ان الله وفقه زوجة ناسكه عابده وتقية ، وحسن التبعل ، والتدبير المنزلي ، ومهارة الطهي ، وحساء القهوة والشاي . كفته مؤنة طبخ الولائم بالمطابخ بعد توفير أدوات وأواني طبخ الولائم ، وأيقاضه صلاة الفجر لجماعة المسجد ، وتذكيره باوقات الفروض ، وصيام يومي الإثنين والخميس من كلّ اسبوع، وثلاثة الأيام البيض من كل شهر ، وتحثه بالصدقة ولو يسيراً ، واذا خرج من الدار ناولته مجموعة مياه الصحة الباردة المغلفة يناولها بعض العمالة التي تعمل في الطرق في عز الظهيرة واشتداد الحر ، وهذه الاعمال حببته فيها ، ويزداد ودها يوماً بعد يوم ، وحسن التصرف ، ولين الكلام ، وحسن الطاعة ، وعدم مخالفة أمره . ارتاح معها في جميع أموره .
ذات يوم شعرت باعراض الحمل ، وأخذت جوالها الخلوي للاتصال بزوجها المقيم بالرياض تبشره بأعراض الحمل طالما ينتظر طفلاً من زمن بعيد من أجل يدخل الحبور عليه ويلاعبه ، ويحتضنه ويحمله كالأباء، فأولاده كبّروا وتزوجوا وانجبوا أولاداً واستقلوا بأنفسهم في منازل مستقلة ، ولم يبق سوى هو وزوجته الأولى ، وعمالة خدمه بالدار ، ويأنس عند زوجته الثانية بمكة المكرمة شهور موسم العمرة والحج . حاولت الاتصال به مراراً وتكراراً جواله مغلق لتزف اول بشرى له بأعراض الحمل . يذهبان سوياً لأحد المصحاة الطبية " طب الأسرة " من أجل تأكد من الحمل وأعراضه ، وكررت أكثر من مرة بالاتصال ، واتصلت بمكتبه بمكة المكرمة الذي فاجأها بخبر وفاته ثم تأكدت من مكتبه بالرياض الذي أكد لها خبر الوفاة ، فلزمت حدادها بالمنزل . بعد شهر من وفاة زوجها في صباح يوم الاربعاء من جماد الأول طرق الباب عليها ، فإذا بامرأة تخبرها إنها ضرتها ، وإنه طلقها قبل وفاته وعليها إخلاء الدار . عزتها أولاً في زوجها واثنت عليه خيراً ، وقامت بحسن ضيافتها ، وأخبرتها يكون خير . تواصلت مع محامي زوجها ، فأخبرته بأمر المرأة. أفادها المحامي لا يوجد ما يفيد طلاقها ، ويثبت ذلك حتى تاريخه ،وعليها التريث ، والتزام حدادها . أما الدار التي فيها فقد أفرغها زوجها باسمها وصك الملكية عنده ، وعليها أن تتأكد من الحمل من مركز طبي متخصص ، وإحضار شهادة طبية بذلك . يتوقف توزيع التركة حتى تضع حملها ، ويتجلى نوعه ذكر أو أنثى.
ياسادة هذا الطفل المولود من هذه المرأة الصابرة المحتسبه التي أحسنت التبعل ، وطاعة زوجها ورث مولودها من تركة والده ، وهو لم يخرج للحياة ما زال في بطن أمه ١٢ مليون ريالاً بخلاف ميراث أمه .
هذه المرأة من ميراثها اشترت لاخيها بحي العوالي فله قريباً منها دورين بفنائها هديةً لأخيها من أجل يتبدل حال أخيها من حال لحال أحسن ، وبنت من ميراثها ثلاثة مساجد أرضاً وبناءً أحدهما لوالديها والاخرين لزوجيها الفانيين .
دام عزك ياوطن ودامت قيادته الرشيدة ، ودام عز سلمانها سلمان الحزم وولي عهده الأمين محمد العزم حفيد الجدين أجتمعت فيه صفات الجدين المؤسس الأول سليل الائمة ، وسلاطين الجزيرة العربية يرحمه الله ، وأبن حثلين سليل الرئاسة ، والمشيخة والزعامة القبلية حثلين إذا قيل أبن حثلين يرحمه الله .