طالبة متخرجة من الجامعة من سكان جعرانة/ مكة المكرمة. تخرجت من جامعة أم القرى/ كلية الشريعة والدراسات الإسلامية " تخصص شريعة " عام ١٤٢١ .
قدمت أوراق إجازتها العلميةللجهة المعنية بالتوظيف من ضمن المتقدمات للتدريس . أحيل طلبها بعد اكتمال مصوغاته لوزارة المعارف . بعد مضي عام من التقديم ، وردها إشعار من الجهة المعنية بقبولها معلمة بإدارة تعليم محافظة الدوادمي . استوجب عليها مراجعة إدارة تعليم تلك الناحية لتوجيهها لاحدى مدارسها .
طارت من الفرح ، والاغتباط والسرور ، وحمدت الله على توفيقه ، وسجدت لله سجود الشكر ، وسادها نشوة الحبور بخبر تعيينها معلمة ، وقد شاطرها الحبور والديها بالاغتباط ، وكافة أسرتها ماعدا أخوتها الذكور الكبار مغبة مرافقتها ، وإشغالهم بها ، ورعايتها . معللين المكان بعيد عن مقر السكن وجماعتهم ، ومحيطهم الاجتماعي ، وفصيلتهم التي تأويهم ، وينبغي أن ترفض هذ التعين ، وتجديد طلبها على المحافظات القريبة من مكة المكرمة . جهلاً منهم ، فالفرص قد لا تتكرر ، ولا تتاح سوى مرةً واحدةً في العمر .
حست أن أخوتها الكبار رافضين التعين جملة ، وفي الجانب المعارض للتعين حيثيات الرفض قوية لديهم ومتنامية ، فالمسافة بعيدة ، والغربة موحشة ، ويتطلب السكن معها أحد محارمها بمحافظة الدوادمي . اجارات سكن ، ومصاريف معيشة ، ونفقات التنقل من السكن للمدرسة ، والعكس " ذهاباً وإياباً "وغيرها من المصروفات فضلاً عن الغربة ، وكونها امرأة . كان هناك إصرار على هذا التوجه ، والتشدد من أخوتها الذكور لاسيما الكبار حيال تلك المبررات فضلاً كلمتهم نافذة بالأسرة .
حاولت جاهدةً اقناع أشقاءها بما وسعها المسعى ، وبذلت قصارى جهدها ما وسعها المجهد لاقناعهم لكن الرفض وارد باحتمال قوي سريانه . لا خيار عنه . منوهة مصاريف السكن ، والمعيشة ، والتنقلات ، وتكاليف الانفاق تتحملها من راتبها ، والغربة لا محل لها ، وغير وارده في ظل حكم ابن سعود ، فالأمن مستتب في أرجآء الوطن ، فالاتصالات والمواصلات والطرق موجودة للتواصل الإجتماعي والرسمي ، ومتوفرة آلياتها وأجهزتها ، فالوطن واحد ، والخدمة في أي ناحية من نواحي الوطن شرف للمواطن ، وواجب وطني من ربط اللازم بالملزوم دينياً ووطنياً . انتهى الحوار مع اشقاءها بالرفض القوي جملةً وتفصيلاً لا خيار لها . هناك خيارات بديلة عن هذه المحافظة البعيدة ، والتعرض لمخاطر الطريق . نطاق ناحيتهم البديل كالمدارس الأهلية ، وعدم مباشرتها العمل بهذه المحافظة البعيدة هو الاسلم ، والخيار الأفضل .
أخبرت أبيها برغبتها بالوظيفة ، ومعارضة أشقاءها ، فدعى أبيها اشقاءها والعائلة لإجتماع ، وتبادل معهم أطراف الحديث والآراء ، واسترسل الحوار ، وبلغ ذروته ، وجديته بالرفض القاطع مرتكز على مبررات ورواسب قبلية ، وأفكار متلبدة عن المرأة وعملها ، ووجد الأب الرغبة منهم الرفض ، وكانت مبرراتهم لما سلف أنفاً ان تجد في المدارس الاهلية بمكة المكرمة خياراً عن هذا القطاع بالمحافظة النائية والبعيدة ، وبمنطقة خلاف منطقتهم مكة المكرمة ، فالراتب قليل بالقطاع الأهلي بمكة المكرمة فالمثل السايد " قليلاً هناك ولا كثيراً عناك " والمثل الشعبي " لا بارك الله في الخطى اطوال من أجل اللقم " . وفنّدت الأبنة مبرراتهم أثناء الحوار قائله: القطاع الحكومي ليس كالقطاع الأهلي فالقطاع الأهلي يسعى لأقصى اشباع ممكن من الربح بأقل تكلفة ، والرواتب متدنية ، ويستهدف طبقة المترفين ، فضلاً الأمن الوظيفي فيه منعدم ، وكذلك الرضا الوظيفي معدوم ، والمرتب محدود وقليل وثابت لا يتغير بتغير الاحوال والظروف والأزمنة . بخلاف القطاع الحكومي الأمن الوظيفي موجود ، ويسعى للاستقرار الوظيفي ، والرضا الوظيفي ، والرواتب مجزية ، والعلاوات مستمرة بخلاف الدورات الداخلية والخارجية ، والمميزات الوظيفية ، وورش العمل شتان بين القطاعين ، والقطاع الأهلى محفوف بمخفسانية المكاره ، وشبختانية التجميد والطرد ، ومهددات الأمن الوظيفي ، وإنتفاء الرضا الوظيفي .
لا حدس لمس الأب من أبنته نفسها بالوظيفة ، وورد في الأثر " البنت تقول يارب صخر قلب أمي لي . أما أبي أتي به ، والأبن عكس ذالك " وكل فتاة بأبيها معجبة ، وكل أب بفتاته لين الجانب لها " . حاول الاب جاهداً أن يقارب التوافق بين الاخت والأشقاء ، وان يتبادلوا الذهاب معها إلا انه صدم برفضهم القاطع رفضاً باتاً لازماً جازما حازماً قاطعاً لا رجعة فيه . ماكان جواب الأب إلا أن قال: يكون خيراً في الامر .
بعد أسبوع من أجتماعه بأبناءه والعائلة ، ومحادثته معهم ، ومرور سبعة أيام بلياليها انصرمت على إجتماع العائلة ، ومحادثتهم مجتمعين ومنفردين اتخذ الأب قراراً حاسماً قوياً في حسم الموضوع مستعيناً بالله ومتوكلاً عليه بتحقيق رغبة أبنته .
جهز الشاص مركبته الخاصة ، وقام بغيار الزيوت ، وتفقد السوائل ، والمحركات والسيور ، وإطارات المركبة ، وترس التوانك بالماء ، وأمر أم أولاده تجهز المعاميل ، ولوازم السفر وعزبته ، وعدة كافة السفر ، وأمر ابنته ان تتجهز للسفر بعد صلاة الفجر من يوم الجمعة ، وقف في محراب مسجد الحي طويلاً قبل وبعد فريضة الفجر يدعو ربه التوفيق ، والتيسير في طرقتهما ، وبعد إفطاره ، وتعبئة ترامس القهوة وحافظاتها بالقهوة وكذلك الشاي ، وقطعاً من البسكويت والشابورة .
أستودع أهله ، وأولاده الله بقوله" بسم الله ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، توكلت على الله ، حسبي الله ونعم الوكيل بسم الله ، والله أكبر ، وما دونه أصغر وأذل وأحقر" وحينما استويا داخل غمارة مركبة الشاص ، وتحركت عجلاتها الاربع من أمام المنزل دعاء دعاء السفر ، وسرح مسرحاً في صباح ، والجو صافي نحو محافظة الدوادمي ، وفي ظلم توقفا صلاة الجمعة في أحد جوامعها ، ثم استأنفا سيرهما . صلا العصر قصراً في أول محطة مدخل عفيف الغربي ، وتغداء غداً مصيف في محافظة عفيف مطعم الرومانسية ، وبعد صلاة عشاء ذلك اليوم دخل مدينة محافظة الدوادمي من الجهة الغربية بعد أن خلفا خلفهما هضبتي البيضتين معلماً من معالم محافظة الدوادمي الطبيعية ، ورئة أهالي محافظة الدوادمي التنفسية ، ومتنفسهم مكشاتاً ومتنزهاً ، واتخذا من فندق الخليج إقامة لهما حتى يتدبرا سكناً ، وأنزل ملتزماتهما حامل الفندق لمقر غرفة إقامتهما .
أصبح صباح يوم السبت ، وصلى صلاة الفجر بالمسجد المجاور للفندق ، واطال الدعاء بالمسجد أن ييسر الله أمرهما بالتوفيق ، وقد صنعت أبنته حساءً من القهوة ، وجهزت قدحاً من التمر وبراد الحليب ، وإذا بباب غرفتهما يطرق ، فإذا برجل كويتي اللهجة في الستين من العمر اعمسته رائحة القهوى المتطايرة من غرفتهما ، ولم يشعر إلا بقرع باب الغرفة المجاورة له تلقائياً ، فأخذ القهوة وقدح التمر ، وتناول الأب والمعموس الكويتي القهوة ، وبراد الحليب المفوح ، والإفطار بغرفة إقامة الكويتي بالفندق ، وقد مسط المعموس الكويتي الدلة وقدح التمر ، ورجع الأب لابنته قد تجهزت وأفطرت ثم جهزا نفسهما في تمام الساعة الثامنة صباحاً . صباح يوم السبت ، وحركا من الفندق بعد سؤال موظفي الاستقبال عن مقر إدارة تعليم البنات ، فأرشدهما طريق مقرها .
اثناء سيرهما اوقفتهما إشارة المرور شمالاً منها مبنى مقر بنكي تجاري ، وجنوباً منها جامع ، ومقر مبنى بلدية محافظة الدوادمي ، وحلقة خضار ، وسفط بجانبهما مركبة صغيرة من نوع كامري بيضاء اللون بالزي العسكري ، فسأل الأب قائد المركبة الصغيرة عن طريق إدارة تعليم البنات اثناء انتظارهما بالاشارة ، فأجابه قائد المركبة أن يسير خلف مركبته ليدلهما مقر إدارة تعليم البنات ، وعرف من سؤال قائد مركبة الشاص انه غريب عن المحافظة . يجهل طرقها ، وموقع مقرّ ادارة تعليم البنات ، فأصولهم الموقع وسفط بجانب سور مبنى إدارة تعليم البنات ، ونزل كلاً منهما عن مركبتهما ، وسلما على بعضهما مواجهة ومصافحة ، وأكد عليه صاحب المركبة الصغيرة الغداء بقوله: غريب وتحتاج المساعدة ، وفي أولّ الأمر تعذر قائد مركبة الشاص عن العزيمة ، وإصرار قائد المركبة الصغيرة بالعزيمة ، وتأكيداته لها . أذعن في نهاية المطاف ، واستثنى له بالغداء ، وأخذ كلاً منهما رقم جوال الاخر ، ومضى قائد المركبة الصغيرة لدوامه بوحدته العسكرية ، واستأذن من رئيسه المباشر من أجل تدبير غداء ضيفه ، وكونه عزوبي زكرتي أستغرب رئيسه ، ويثق في مصداقيته باعتباره من أفراده المميزين والجادين ، فسمح له بتدبير غداء ضيفه .
اتصل بأحد زملاءه المتأهل بأهله ان يكون غداء ضيفه بمنزله وأخذ كبشاً من سوق الأغنام ، ووضعه عند مطبخ الوشم ، ونصرف لشراء توابع الغداء ليضعها بمنزل زميله/ شمغور .
أما قائد مركبة الشاص اخذ قرار تعين أبنته ، وخطاب التوجيه لمجمع مدارس البنات بالمخطط الشمالي المعروف بالمربع الذهبي ، وسجل مباشرتها بالمجمع ، وانصرفا لمقر إقامتها بالفندق مسروراً ، وتواصل بالجهاز الخلوي بمضيفه ، فارشده لموقع المنزل ، وكانا في انتظاره وزميله ، ورحبا به وادخلاه مجلس المنزل ، واحضرا حساءً من القهوة وقدحاً مملوءً بفذات التمر متنوعاً من تمر القرنة والسر والقصيم محفوفاً بقطع من الاقط ، وزلف من الزبد ، وتبادل أطراف الحديث ، وتبين كلاً منهما الضيف والمضيف من منطقة مكة المكرمة . قائد المركبة الصغيرة من مدركة ، وقائد مركبة الشاص من جعرانة أحدهما من مرجحة الموازين الأول والاخر من ترثة عتيبة فذكر لهما صاحب المنزل ما من بعد بينكما الماعون واحد عتيبة الهيلا ، وديارها الغربية منطقة مكة المكرمة ، وعالية نجد العذية بالمنطقة الوسطى الرياض ، وشاعر الهيلا/ فيحان الرقاص يقول شطراً من بيت شعره: " ربعي عتيبة من العارض إلى الحرة " والحرة بالمنطقة الغربية ، والعارض في وسط هضبة نجد بالمنطقة الوسطى الرياض ، وما لبثوا قليلاً ، فأذا بالباب يقرع طرقاً من قبل بعض زملاء المضيف المدعون للغداء ، وقد زان مجلس منزل زميله بصاحب الدار ، والضيف والمدعون ، والمضيف . تناول الجميع وجبة طعام الغداء مكملاً ، وبعد صلاة العصر بالمسجد المجاور عادوا لمجلسهم وتجديد الشبة ، وتناول حساء القهوة عصرية ذالك اليوم .
وضع الزملاء جدولاً فيما بينهم دورية لضيافة الضيف باعتبارهم من سمية واحدة ، أفصح المدركاوي المضيف مسبقاً لصاحب الشاص بعد دورته التدريبية العسكرية بمدينة التدريب بالشرائع/ مكة المكرمة جاء تعينه بمحافظة الدوادمي ، وقد شارف على العام من تعيينه ، ويشعر بالارتياح بهذه المحافظة . شاطره نظراءه بالمحافظة وجهة النظر .
تواصلوا الزملاء في مابينهم بمعارفهم مكاتب عقار باستئجار شقه له وأبنته بأحياء محترمة ونظيفة ، وكل احياء المحافظة محترمة ونظيفة ، فنصح أحدهما يستأجر بحي أكرم أهل المحافظة/ محيسن أبن حنيف المريبض اشتهر بكرمه ووفاءه ، وفي ازمة الشعير في رمضان يقطر ويسحر المنتظرين عند متعهدي الشعير طيلة شهر رمضان ، والبعض الاخر نصح يستأجر بحي أبن الكرام والمكارم والكرام بجوار الديري حسن الجيرة الطيبة ولا يجاوره إلا طيب ، وناره حية ، والثالث أفصح ناصحاً أن يستأجر بقرية الاد مروح الدويلة بمصدة قربها من احياء المحافظة ، ولديهم حرص على المحارم ، والجار وغيرة دون قصور في الاحياء والقرى الاخرى ، وعموماً محافظة الدوادمي نظيفة ، وتتميز بالخدمات المنظورة ، وغير المنظورة . طرحت الخيارات أمامه وله حرية الخيار ، ويفضل ان يستأجر بجوار مقر عمل أبنته ، ووفق بسكن بجوار عمل أبنته . وقد تشعبت تبادل العزائم، وما زالت مستمرة دلالة على كرم أهل المحافظة باديةً وحاضرةً .
بعد عشرة أيام . اتصل الضيف بالمضيف ، وعرض ان ينكحه أبنته المعلمة طالما انهما غرباء ، وزكرتيه . بدأت فكرة الزواج عند الجندي المضيف سانحة ، وان كان يعاني من قلة المال وضايقة اليد المادية ، وهو في أول حياته الوظيفية .
لاشك الأب قبل ان يعرض عليه نكاح أبنته . سأل رئيس المباشر بالعمل ، وزكّاه وأثنى عليه خيراً ، وكذلك زملاءه بالعمل ثم أخذ الموافقة الميدائية منه ، وعرض الامر على ابنته فقالت: بهذا السرع تتخلص مني ياأبي ؟ قال كلا بل نهاية المطاف للبنت الزواج ، فانتي تعين وزوج آن واحد توفيق من الله ، طيعي وليك ، فقالت : ليس من مدارج عشيرتي وديرتي فقال: ليس ببعيد فيه خصلتين الدين والاخلاق يعززها الكرم . طيعي وليك وأبيك ارى مصلحتك راجحة في ذلك ، لم تمانع أبيها ووليها ، فترك أمر ذلك لأبيها، فعقد القرآن لهما .
ياسادة بعض المصادفة مباركة تطوي في ثناياها التوفيق ، انتظار بإشارة مرور ثمّ الإدلاء عن مقر إدارة من إدارات المحافظة ، فضيافة . أثمرت عن زواج اي صدفة مباركة ؟ ما أجمّلها من مصادفة ، وأحسنها من لقاء ، فالمعروف لا ينعدم عواقبه . كم من محنة في باطنها منحة ؟ ونقمة في باطنها نعمة .. وشر في باطنه خير ، وربما شيء تكرهونه ، وهو خير . مطايا الخير تساق بإرادة الواحد الأحد . يرزق من يشاء بغير حساب فضلاً وكرماً من الرزاق مصرف الأحوال .
دام عزك ياوطن ودامت قيادته الرشيدة ، وسلمانها سلمان الحزم وولي عهده الأمين محمد العزم .
بقلم/ خالد بن حسن الرويس