لقد خصّ الله سبحانه الصيام بإضافته إلى نفسه دون سائر الأعمال، لأن الصيام فيه ترك لحظوظ النفس وشهواتها الأصلية التي جبلت على الميل إليها لله عز وجل ولا يوجد ذلك في عبادة أخرى غير الصيام، ثم إن الصيام سِّر بين العبد وربه لا يطلع عليه غيره سبحانه.
قال بعض السلف أهون الصيام ترك الشراب والطعام، قال جابر رضي الله عنه إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
إذا لـم يكـن في الـسـمع مـني تـصاونٌ
وفي بصري غض وفي منطفي صَمْتُ
فحظي إذاً من صومي الجوع والظمأ
فإن قلت إني صمت يـومي فـما صُمْتُ
كان بعض السلف يختم في قيام رمضان في كل ثلاث ليال، وبعضهم في سبع منهم قتادة رحمه الله وبعضهم في عشر منهم أبو رجاء العطاردي رحمه الله. وكان السلف يتلون القرآن في شهر رمضان في الصلاة وغيرها.
كان الأسود رحمه الله يقرأ القرآن في كل ليلتين في رمضان، والنخعي رحمه الله يفعل ذلك في العشر الأواخر منه خاصة، وكان للشافعي رحمه الله في رمضان ستون ختمة.
قوله عليه الصلاة والسلام: للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه، أما فرحة الصائم عند فطره، فإن النفوس مجبولة على الميل إلى ما يلائمها من مطعم ومشرب ومنكح فإذا منعت من ذلك في وقت من الأوقات ثم أبيح لها في وقت آخر فرحت بإباحة ما منعت منه خصوصاً عند اشتداد الحاجة إليه، فإن النفوس تفرح بذلك طبعاً، فإن كان ذلك محبوباً لله كان محبوباً شرعاً والصائم عند فطره كذلك. وأما فرحة عند لقاء ربه فبما يجده عند الله عز وجل من ثواب الصيام مدخراً فيجده أحوج ما كان إليه.
ورد أن مَنْ أتى عليه رمضان صحيحاً مسلماً، فصام نهاره وصلى ورداً من ليله وغض بصره وحفظ فرجه ولسانه ويده وحافظ على صلاته جماعة وبكر إلى الجمعة، فقد صام الشهر واستكمل الأجر وفاز بجائزة الرب التي لا تشبه جوائز الأمراء.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية