حكاية أكررها دائما . ذات مرة زرت إحدى المدارس النائية جدا الوعرة طروقها . قررت الوصول إليها والمبيت بها للقيام بعملي الإشراف في الصباح . كان يعمل بالمدرسة أربعة من المعلمين جميعهم من الأخوة المتعاقدين من جنسيات مختلفة . يعملون بنظام ضم الفصول نظراً لقلة أعداد طلاب المدرسة الذين لا يتجاوز عددهم عن ثلاثين طالباً . يدرسون في ثلاثة صفوف . الأول مع الثاني والثالث مع الرابع والخامس مع السادس نصاب كل معلم ٤٨ حصة والمدير ٤٢ حصة . كانت مهمتي الإشراف العام على المدرسة
حينما وصلت كان المعلمون منهمكون في كتابة التحضير على ضوء الفوانيس
وثقافة المفتش ظننت أن هذا العمل مصطنع لإظهار حرصهم أمام الموجه ، وقلت سوف اكتشف ذلك من خلال متابعة دفاتر التحضير في الصباح مع أنني التمس لهم العذر في التقصير إن حصل ، وبالمتابعة لاحظت اهتمامهم في التحضير ، ولم أجد أي انقطاع بل قال أحدهم أننا نجد تسلية ، وقضاء للوقت بقضاء وقت طويل في تحضير ٤٨ حصة في اليوم
لكن المفاجأة السارة أنه بعد صلاة الفجر وحين أسفر الصبح شاهدت عن بعد أحد التلاميذ يكتب على الجدار وبثقافة التفتيش وسوء الظن تساءلت وقلت هل وصل العبث بالكتابة على الجدران إلى طلاب هذه المدرسة النائية ، وبعد قليل طلبت من مدير المدرسة مرافقتي للقيام بجولة على الفصول ، وفي نيتي الوصول إلى مكان كتابة الطالب ، وعند الوصول كانت المفاجأة السارة فقد ، وجدت جدولا مسطراً ، ومدون عليه أيام الشهر ، وبجانب الجدول ترمومتر حراري قال لي مدير المدرسة أنه يطلب من كل طالب من الصفوف العليا قراءة درجة الحرارة في الصباح الباكر وعند الإنصراف وتدوينها في الجدول كما تلاحظ
تعلمت أكثر من درس من تلك الزيارة :
١ - من أراد أن يعمل بإخلاص لا تقف دونه الظروف .
٢ - حصول الطلاب على القليل من العلم خير من حرمانهم .
٣ - أن الوزارة قد أرشدت بإيجاد نظام ضم الفصول لإتاحة الفرصة لطلاب المدارس النائية .
٤ - أن حسن الظن في جميع الأمور يجب أن يكون مقدماً على سوء الظن لأن المصطفى الكريم قال
(الخير في أمتي إلى يوم القيامة ) .
بقي أن أقول أن طلاب هذه المدرسة أصبح منهم المعلم والطبيب ومنهم من حصل على الدراسات العليا في الماجستير والدكتوراه والفضل لله ثم لأولئك المعلمين المخلصين الذين ساهموا في رعايتهم .