من الناحية الفلكية وبحسب المؤقت الزمني للمزولة الشمسية البناء الهرمي المعروف تاريخيا في محافظة العلا بالطنطورة في جنوب شرق البلدة القديمة.
دخلت مربعانية الشتاء كموسم ظهيرة الجمعة 22 ديسمبر عند توقيت زوال الشمس الموافق 1 من برج الجدي ككل الأعوام ماعدا السنوات الكبيسة يتقدم توقيت دخول مربعانية الشتاء بقدر الله وأمره 24 ساعة عن التوقيت المعتاد.
ولمقتضيات اليوم الفضيل المبارك الجمعة وضرورات مراعات هذا اليوم
ارتأت الهيئة الملكية مشكورة بصفتها الجهة الرسمية الراعية المنظمة لفعاليات الاحتفال الأهلي المتوارث لمجتمع العلا الريفي المتعاقب منذ القدم بدخول موسم مربعانية الشتاء تقديم الموعد من الجمعة إلى يوم الخميس لتأخذ المناسبة حقها من البهجة والانفرادات المتميزة للفعاليات المصاحبة التي تستمر لعدة أيام في كامل محيط منطقة الطنطورة بداية من مشاهد التمثيل البيئي لعادات وتقاليد وفنون أهل العلا في ساحة الدرب ذاتها موقع الاحتفال الذي يرتفع على مبانيه الجنوبية شاخص الطنطورة إلى المنطقة المرتفعة المحاذية للقلعة التاريخية ومايسمى بالخوخة والجبيل والجنينة الوارد ذكرها في أشعار جميل بثينة ومسجد العظام المعروفة تاريخيا بصعيد قرح الذي ورد بهذا اللفظ في الأحاديث النبوية الصحيحة من السيرة العطرة عند سرد وصول الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام إلى العلا وخطه بيده الكريمة مسجدا للصلاة بالعظام فسمي على إثر ذلك بمسجد العظام إلى يومنا هذا.
الفعاليات أيضا تمتد جغرافيا وتتمدد ثقافيا إلى غرب البلدة القديمة المعروف عند أهل العلا بسوق الدور وساحاته وبرحاته المقابلة والمجاورة للأسوار والأبواب إلى منطقة الديرة الجديدة الحديثة العهد نسبيا من الناحية العمرانية وقديمة جدا كموقع بكامل مسمياته بطبيعة الحال.
بداية الاحتفال ذاته المقرر له سلفا الموعد الساعة العاشرة والنصف من صباح الخميس كان نتاجا لعمل كبير وجهود مضنية من التحضير والإعداد والبروفات لأيام سابقة على موعد الاحتفال حيث تميز هذا العام بعروض المسرح الحي للكوادر البشرية التي تعددت أدوارها وكذلك بعروض الإضاءة الملونة عبر منصات الليزر العملاقة التي أضفت على المشهد الكلي حالة مدهشة من حالات الإبهار البصري المطلوبة في مثل هذه الكرنفالات الجماهيرية ودائما يجير الفضل بعد الله للهيئة الملكية لمحافظة العلا على توفير كل الإمكانيات وتذليل كل الصعوبات وتسخير جميع الكوادر الاحترافية كل في مجاله وتوظيفها التوظيف الأمثل الأكمل لتكتمل لوحة الموزاييك لفائدة ومتعة المناسبة والحضور وكل من يتابع فعالياتها عن بعد أيضا.
صباح الخميس ومنذ ساعات الضحى الباكر قدمت فرقة العلا للفنون الشعبية عروضها المعتادة مع الفرق الشعبية التي تم دعوتها من المناطق المجاورة للعلا للمشاركة وبالطبع تسيدت العرضة وفن الزير والسامري والخبيتي كالعادة حيث حظيت بتفاعل الجمهور ووسائل الصحافة والإعلام والتواصل الاجتماعي.
وفي الساعة العاشرة والنصف بالتمام والكمال من ضحى يوم الخميس شرف موقع الاحتفال سعادة المهندس عمرو المدني الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية عراب فعاليات العلا خلال السبعة أعوام منذ انطلاقة مناشط الهيئة الملكية في العلا عام 2017 وبمعيته ضيوف الهيئة وبالتالي أهالي العلا من بعض أعضاء مجلس إدارة جمعية التراث السعودي غير المادي بقيادة الدكتور الأديب الإعلامي عثمان الصيني رئيس تحرير صحيفة الوطن والأديب المؤرخ الشاعر إبراهيم طالع الألمعي والدكتور عبدالله المنيف.أيضا كعادته سعادة محافط العلا الأستاذ راشد بن عبدالله القحطاني كان الحضور والرعاية الرسمية الكريمة وكلمة ترحيب بالحضور وإشادة بالجهود المبذولة.
في حين تولى تقديم الاحتفال بتدشين موسم شتاء طنطورة ومربعانية الشتاء الشاعر الخلوق المعروف يحيى رياني ضيف العلا حيث استثمر شاعريته ومساره الأدبي في صياغة فقراته التقديمية للاحتفالية بصفة عامة والتعريف ببرنامج الاحتفال وتقديم المتحدثين المدرجين في روزنامة برنامج الحفل في مقدمتهم المهندس عمرو المدني الرئيس التنفيذي للهيئة الملكية لمحافظة العلا الذي ألقى الضوء على بعض أهم المفاصل للخطط التنموية الشاملة ومساراتها الثقافية والمجتمعية والحضرية في العلا الملكية الجديدة التي شهد العام 2023 قفزات كبير ومتسارعة ومتنوعة ضمن جدولة زمنية لو لم يكن خلفها بتوفيق الله كل هذه الطاقات المدعومة بتوجيهات القيادة الحكيمة لما تحققت بالكم والكيف المفترضين في عام ممهورا بتوقيع وتوقع القادم أجمل وعلى طريقة:(مايزال في جعبتنا الكثير).
بعد ذلك تحدث الزميل عبدالرحمن الطريري المتحدث الرسمي للهيئة الملكية مدير قطاع الإعلام والاتصال ومن بعده الدكتور عثمان الصيني ثم الدكتورة هنادي أبوخديجة نائب المشرف العام على فرع جامعة طيبة ثم الدكتور حسين أبو الحسن فالأديب الشاعر إبراهيم طالع الألمعي ليستلم الدكتور حامد الشويكان مدير فرع جمعية تراثنا في العلا دفة إدارة الحوار المجتمعي والفقرات الخاصة بالتمثيل البيئي لحالة احتفاء أهالي العلا بدخول مربعانية الشتاء وأبرز العادات والتقاليد الملازمة خاصة مايتعلق بالزراعة ومواسم البذر والغرس والحصاد والمجتمع الريفي القديم وكيفية سبل عيشه وتنظيم عقوده المجتمعية على أرض ساحة الدرب ذاتها التي كانت رغم ضيق مساحتها لكنها أشبه بالبرلمان الاجتماعي المسير لشؤون الناس،
ولذلك يجيء احتفال أهالي العلا بموسم دخول مربعانية الشتاء ليس مجردا من استذكار واستلهام تركات الآباء والأجداد التي صنعت بفضل الله منظومة منجزات حضارية نتاجها الاعتماد الكلي على الإنسان وتنامي مكنوزه الفكري والإبداعي والمهاري العملي كل في اختصاصه وبماأنعم الله عليه به..الفقيه في تعليم الناس أصول دينهم وضبط القيم والحفاظ على الأخلاق العامة..والمعلم في تعليم الناس وتربيتهم بالضوابط التقليدية المتعارف عليها والقاضي الذي يحفظ للناس حقوق العيش وموجبات التعايش وأطر الكسب الحلال ضمن قوانين مكتوبة مدونة في عقود اجتماعية تكفل للناس التبايع والإحلال والتداول وتبادل المنافع والمصالح ودخول وخروج المكونات المجتمعية البينية أيضا ضمن قوانين مكتوبة مدونة تعاهد المجتمع على تأديتها بكل رضا وقبول وقناعة ليكون الفرد فلان على سبيل ضمن العشيرة الفلانية وفئة كمجموع ضمن فئة أخرى مع الحفاظ الصارم على خطوط الأنساب ومشجراتها والأصول والمعرفات عملا بالوصايا الشرعية المقررة في محكم التنزيل والسنة النبوية المطهرة.
هذه الرمزيات للحالة المعيشية القديمة التي يستدعيها أهالي العلا مختزلة ضمن مناسبة احتفالية عابرة كدخول مربعانية الشتاء التي تم التعارف عليها باحتفال الطنطورة ماكانت لتكون بهذه القيمة وذيوع صيتها وشهرتها لولا أن العمل عليها والأهم القناعة بأهميتها كان ومايزال وسيستمر نابعا من فكرة حضارية شائعة لمس علماء الانثرو بولوجيا أهميتها وأثرها مفادها أن حفاط المجتمع على إرثه القيم المنتج المثمر في ظل ظروفه ومحدداته القديمة بأدواتها البدائية يجب استلهامها واستثمارها في كل حركة مجتمعية حداثية قابلة للتمدد والديمومة أو الاستدامة بتعبيرها المعاصر كي تكون إضافة نوعية ومثمرة للمجتمع في طور بناء الحياة المدنية المعاصرة بكل مقتضياتها التنموية الشاملة مع اختلاف أدوات العصر الحديث ليس إلا.
ولهذا..وبكل هذه المفاهيم المتقدمة المرتكزة على الأسس الموروثة الصلبة الأصيلة..
يبدأ أهالي العلا احتفالياتهم بحماس منقطع النظير وينتهون بتصدير مباهجهم في ذات التوقيت ظهيرة 22 ديسمبر من كل عام في ذات المكان التاريخي الذي يشهد له الأثر بأكثر من 2600 سنة كموقع بدليل الأحفوريات المثبتة علميا في قمة سنام قلعة العلا التاريخية التي كان اسمها(علت)في العصور ماقبل التاريخ.
ويشهد للمكان كبيئة مجتمعية حاضنة لمجتمع العلا الريفي ذاته وقبائله القريبة حد الامتزاج المحيطة به كالسوار حول المعصم أكثر من 1400 عام بدليل نزول الرسول الكريم على العلا ومجتمعها نابض بالحياة في ذات المساكن.
بينما تؤرخ العقود المجتمعية اللاحقة للثلث الأول من تاريخ الحقبة الإسلامية بعض تفاصيل البيع والشراء لعقارات البلدة وتنظيم آليات التكوين الفئوي لمجتمع البلدة بأكثر من 800 عام وماتزال كل مكونات هذا المجتمع الريفي بكل عاداته وثقافته المتنوعة مستمرة إلى اليوم وبأسماء وصفات وألقاب العوائل ذاتها من مجمل العشائر بقسميها المكونة لريف العلا القديم.
وبالعودة إلى المظهر الكرنفالي الذي شهدته ساحة الدرب بمنطقة الطنطورة التي لايعرف خبرا مؤكدا موثقا لتاريخ تشييدها بالضبط..
فقد اختتم الاحتفال بمشهد تصوري تقريبي لتوقيت دخول المربعانية بملامسة الظل الساقط من قمة هرم الطنطورة على العلامة الأرضية الموسومة بقطعة حجرية قدت من صخرة كون يوم الخميس ليس هو يوم دخول المربعانية الفعلي من الناحية الفلكية كما أسلفنا ولذلك رغم المعلوم بأمر الله عن التوقيت وتاريخه الجمعة 22 ديسمبر فقد حضر للموقع الفريق المختص من أبناء العلا قبل إقامة صلاة الجمعة لمدة دقائق لتوثيق هذه الحالة عمليا وبالمشاهدة البصرية للإعلام عنها من باب التذكير ومن ثم غادر كل منهم إلى صلاة الجمعة لتستمر الهيئة الملكية لمحافظة العلا مابعد عصر ومساء يومي الجمعة والسبت في تقديم بقية فقرات الفعاليات المقررة من خلال مواقعها المعلن عنها.