للذاتِ الإنسانيَّةِ مفارقاتٌ تنطوي على أعاجيبَ تأخُذُ مسارَها عبرَ تعرُّجاتٍ تهوي بها في هُوَّةٍ لا قرارَ لها إذا لم يكنْ لديها نموذٌج تفسيريٌّ يُفكِّكُ المشاهدَ إلى العناصرِ الأولى، ويضعُ لكلِّ عُقدةٍ-تنشأُ من المتغيِّرات الحضارية المفروضةِ من قبل القُوى المُسيطِرة-حَلّاً موضوعيَّاً، ومن ذلك تتفرعُ عن هذه المفارقاتِ أسئلةٌ وجوديةٌ كُبْرى تُلِحُّ على صاحِبِها أن يُجيبَ عليها وإلَّا فإنَّ فقدان المعنى سيكونُ هو المصيرُ النهائيُّ لها.
وفقدانُ المعنى أمرٌ جللٌ ومُمِضٌّ ويُحدِثُ في الذات قهراً وتيهاً لا تُحَدِّثْني عن عواقبِه وعقابيلِه، وفي هذا العالم الذي يُكرِّسُ مفهومَ الفردانيَّةِ بطريقةِ مناقضة لكل القيم والمعتقدات التي تنطلقُ من التراحم والرحمة، يقفُ العاقلُ مشدوهاً وهو يحاول التقاط أنفاسِه بَلْه عن الإجابةِ والاقتدار الفلسفيِّ في تفكيك هذه الظواهر المتلاحِقة، وهذا يُضيفُ عِبئاً حتى على أهل الشأن في تبليغِ رجل الشارع عن هذه الأحابيل، لأنَّه مشغولٌ بقضاء حاجاتِه اليومية وهمومه القادمة في خفايا الليالي والأيام،
لكنَّ "قدرةَ الله فوق الشَّكِّ والتُّهَمِ"
إنَّ أحدَ إفرازاتِ الحداثة ما يُسمَّى بالمُراهقة، ففي هذه المرحلة التي تابعْنا فيها الحضارةَ الغربيةَ بدون نقدٍ لهذه المفاهيم وإنما اتِّباعٌ أعمى أدَّى بنا إلى الارتهان إلى منطلقات لا تُعبِّرُ عن هويتِنا بل تقصُّ أجنحتنا وتدعُنا نُسِفُّ بدل أن نُحلِّق منطلقين من ثراثنا الباعث لطاقاتِنا
الكامنة، وإحدى هذه المصطلحات كمثال على ما مضى من الحديث هو مصطلح المراهقة، يقول روبرت إبستين: "المراهق في هذا الزمن يعيش في مجتمع أقرانِه المراهقين التافه؛ حيث يتعلمون من بعضهم كلَّ أمور حياتِهم بدلاً من أن يتعلموها من أشخاصٍ سبقوهم في تجارب الحياة، فلا غرابةَ إذن عندما يتصرف المراهقون بطيش وعدم مسؤولية، فهم يعيشون بمعزل عن البالغين ويُعاملون كالأطفال"(١)
فمِمَّا يُثبت هذا أنْ لو اكتحلتُ أعينُنا بكتب السيرة النَّبوية
لرأينا كثيراً من الصحابة في هذه السن التي يزعمون أنَّها سن المراهقة كيف كانوا يقودون الجيوش ويُسيِّرون الأعمال الإدارية ويُوكلُ لهم النَّبيُّ المعصومُ ﷺ المهمات العظيمة وكذلك من جوانب الفقه الإسلامي سن التمييز وكذا سن التكليف وكيف يؤمر بالصلاة مَنْ بلغ السابعة بل يُضرب على تركها إذا بلغ العاشرة، فالذي اختلف هو طرق التربية وطرائق التنشِئة وتبني المجتمعات للعلمنة إنْ بعمدٍ أو بغير عمد.
١-بواسطة، عبدالله الوهيبي، معنى الحياة في العالم الحديث، هامش