أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور بندر بن عبدالعزيز بليلة إمام وخطيب المسجد الحرام.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: أوصيكم أيها الناسُ ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله رحمكم الله، فقد أُعدِّت للأتقياء جِنانُه، ووَجبتَ للأشقياء نيرانُه ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ ما قَدَّمَت لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبيرٌ بِما تَعمَلونَ﴾.
أيها المؤمنون: الشدائدُ والكُرَب، والمَكارهُ والنُّوَب، مصحوبةٌ بهِبات الله وألطافه، وخيراتِه وإسعافه ﴿وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ ، وعن أبي هريرة رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: (من يُرِدِ الله به خيرًا يُصِبْ منه) أخرجه البخاري، وعن صهيب رضي اللهُ عنه قال: قال رسولُ الله ﷺ: (عجبًا لأمر المؤمن، إنَّ أمرَه كلَّه خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراءُ شكرَ فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراءُ صبرَ فكان خيرًا له) أخرجه مسلم.
وأضاف فضيلته مبيناً أنّ قضاءُ الله سبحانه في عبده دائرٌ بين العدلِ والحكمة، والرحمة والنعمة، ومن دعاء النبي ﷺ: (اللهم إني عبدُك، ابنُ عبدِك، ابنُ أمتِك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فـيَّ حُكمُك، عدلٌ فـيَّ قضاؤُك) أخرجه الإمامُ أحمدُ وصححه ابنُ حبانَ من حديث عبدِالله بنِ مسعود رضي اللهُ عنه، وقال أبو العباسِ بنُ عطاء: (الفرحُ في تدبير الله تعالى لنا، والشقاءُ في تدبيرنا).
وإذا أراد اللهُ ابتلاءَ عبده بمصيبة هيَّأه لها، وأعانه على الاضطلاع بثِقَلها، ووفَّقه لصبرٍ يزداد بسببه إيمانُه، ويَقوى إيقانُه، ويَحظى بالثواب الجزيل، والأجرِ الجميل، قال تعالى: ﴿إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسابٍ﴾
وقال تعالى مُخبِرًا عن أهل دار القرآر ﴿وَالمَلائِكَةُ يَدخُلونَ عَلَيهِم مِن كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيكُم بِما صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدّارِ﴾
وبين فضيلة الشيخ بندر بأن مِن أجَلِّ ألطاف الله في المكاره والبلايا: ما يناله المبتلى الصابرُ من منزلة الرضا، فهو رُوحُ مقاماتِ الدينِ، ومُستنَزَلُ الخيرات، ومُسْتدَرُّ البركات، ومَهْبِطُ الرحَمات، ولا يزال المُبتلى يرضى عن الله حتى يرضى اللهُ عنه، قال تعالى: ﴿رَضِيَ اللَّهُ عَنهُم وَرَضوا عَنهُ ذلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ﴾.
كتب عمرُ ابنُ الخطابِ إلى أبي موسى الأشعريِّ رضي اللهُ عنهما: (أمابعد: فإن الخيرَ كلَّه في الرضا، فإن استطعتَ أن ترضى وإلا فاصبر) قال ابنُ القيم رحمه الله: (قال بعضُ العارفين: ارْضَ عن الله في جميع ما يفعلُه بك، فإنه ما مَنَعك إلا ليُعطيَك، ولا ابتلاك إلا ليُعافيَك، ولا أمْرضك إلا ليَشفيَك، ولا أماتك إلا ليُحييَك، فإياك أن تُفارقَ الرضا عنه طَرفةَ عين).
وفي الخطبة الثانية قال فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام: اتقوا الله تعالى وأطيعوه، وراقبوه ولا تعصوه ﴿يا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكونوا مَعَ الصّادِقينَ﴾
يامَن أحاطت به الشدائدُ والبَلِيات، ونزلت به المصائبُ والمدلهمات: ما اشتد كربٌ إلا وهان، ولا تمَّ أمرٌ إلا وأخذ في النُّقصان.
اجعلْ مولاك نُصبَ عينيك، وقِبلةَ قلبك، والطمعَ في فرجه منتهى سُولِك، وغايةَ مأمولِك، فليس على غيرِ الله مُعوَّل، ولا عنه مُنصَرف ولا مُتحوَّل.
اتخِذِ الصبرَ شعارًا لك ودِثارا، وإياك إياك القنوطَ والياس، والتسخُّطَ والتضجُّرَ والإبلاس؛ فإنه يزيدُ في البلاء والمصاب، ويُحبِطُ الأجرَ ويوجبُ العقاب.
واختتم فضيلة الدكتور بليلة خطبته بالصلاة على
نبينا محمدِ بنِ عبداللهِ ﷺ .
ثم دعا فضيلته بأن يعز الله الإسلام والمسلمين، وأن يفرج هم المهمومين من المسلمين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاةَ أمورنا، وأيد بالحق والتوفيق والتسديد إمامَنا وولي أمرنا، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه صلاح البلاد والعباد يا رب العالمين.
كما دعا فضيلته بالسداد لجنودنا المرابطين على حدود وثغور هذه البلاد قائلاً: اللهم سدد جندنا المرابطين في الحدود والثغور، اللهم كن لهم معينًا ونصيرا، ومؤيدًا وظهيرا.
ثم اختتم الدعاء لإخواننا المؤمنين في فلسطين بأن يلطُف الله بهم ويرحم ضَعفهم، ويجبر كسرَهم، ويتولَّ أمرَهم، ويسُدَّ خلتهم، ويشفِ مريضهم، ويداوِ جريحهم، ويسلُكْ قَتلاهم في الشُّهداء السُّعداء.
اللهم إنك قلت في كتابك المبين، وأنت أصدق القائلين: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذينَ آمَنوا﴾ اللهم فادفع عنهم الشرورَ والبلايا، وارفع عنهم الكروبَ والرزايا، لا رَبَّ غيرُك فيُرتجى، ولا إله سِواك فيُدعى، وأنت نِعمَ المولى ونِعمَ النصير.
اللهم واحفظ المسجدَ الأقصى، اللهم احفظ المسجدَ الأقصى، واجعله في عزة ومَنَعةٍ ورفعةٍ إلى يوم الدين.