إن تعلم الإبداع حاجة فردية من حاجات الإنسان المعاصر، وهو حاجة وطنية وإنسانية للتكيف مع عصر الثورة المعرفية والتقنية، وللقدرة على مغالبة وسائل الهيمنة والسيطرة التي تسعى إليها مراكز التسلط بوساطة تعميم أخلاقيات المجتمع الاستهلاكي وأنماطه التي لا تؤدي في النتيجة إلا إلى المزيد من التقليد والاتباع وإلى المزيد من التخلف والتبعية. وعليه فينبغي علينا أن ننظر إلى تعلم الابداع على أنه أحد أهم عناصر النجاح .
إن من الظواهر التي لا تخطئها العين في حياتنا المعاصرة تلك النزعة إلى النقل والاتباع ومجافاة التجديد والابداع. ولعله من باب التكرار – والكلام للأستاذ اسماعيل الملحم – القول بأن الأمة العربية في معارك صراعها على البقاء في مختلف الجبهات مدعوة للبحث عن الأساليب والوسائل التي تمكنها من امتلاك القدرة على المبادرة. ولعله من البدهيات التركيز على أهمية إنتاج الوسائل الضرورية لتثبيت الأقدام في الأجواء الدولية العاصفة، أو إعادة انتاجها سواء كانت تلك الوسائل مما يتعلق بالمهارات أو بالمعارف أو القيم.
ولا يعني هذا أن نرذل ما وصل إليه الآخرون من تقدم في المعارف والتقنيات، بل العمل للوصول إلى تلك الدرجة التي يصير معها بالإمكان المشاركة في انتاج المعرفة بواسطة استثمار النتائج العلمية الحالية والأدوات المنهجية السائدة أينما وجدت، ومحاولة التفكير فيها بما يسمح بإخصابها والمشاركة في تجاوزها بإعادة بنائها.
وإلا فلا أمل في اختراق الحصار الذي أدخلت فيه المجتمعات النامية من سيادة نمط الحياة الاستهلاكي والحضارة الاستهلاكية.
والخروج من دائرة التخلف ومن حمّى المجتمع الاستهلاكي وأتونه ومن الإلحاح على فقدان الموارد أو شحها، يدفعنا للتأكيد على أهمية تعلم الإبداع.
لقد أوجدت الحضارة المعاصرة كثيراً من النتاجات التي أدت إلى تهافت المجتمعات المتخلفة على الفتات الذي تلقيه إليها المجتمعات المتقدمة، فباتت تنتظر لمشاكلها حلولاً جاهزة تستعيرها أو تنقلها أو تقدمها لها تلك البلدان المتقدمة على شكل هبات أو قروض أو ما شابه ذلك أو قاربه، وهي في ذلك إنما تبتعد عن الإبداع وتمعن في الاتباع.
وفي ذلك ما فيه من تعميق الأسباب المؤدية إلى استمرار تخلفها. وقد شعرت بلدان العالم المتقدمة منها والمتخلفة بأهمية تربية الناشئة تربية تمكنهم من استنهاض سائر القدرات الجسدية والعقلية لديهم للإسهام في عمليات البناء والنهوض الاجتماعي والاقتصادي وهي تحاول باستمرار أن تجد الوسائل المناسبة لتعلم الإبداع.
والإبداع من حيث المكانة التي يحتلها داخل عمليات التفكير البشري يمثل أعمق وأوسع وأعقد نوع من أنواع هذا التفكير. من هنا يكون تحديد طبيعة الإبداع صعباً أو أنه ذو طبيعة خلافية. فقد عده عدد من الباحثين شكلاً من أشكال الذكاء العالي أو أنه الذكاء في أعلى مستوياته، ولكنه يجاوز الذكاء.
أ . د / زيد بن محمد الرماني ــــ المستشار الاقتصادي
وعضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية