في الوقت الذي تتواصل فيه قيادة المملكة العربية السعودية مع كافة الأطراف الدولية والاقليمية لوقف التصعيد في غزة, وكعادة المملكة منذ عهد المؤسس الملك عبدالعزيز طيّب الله ثراه, في مدّ يد العون للشعب الفلسطيني الشقيق, وبينما يشدّد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان, حفظه الله, على رفض المملكة العربية السعودية استهداف المدنيين بأي شكل أو تعطيل البنى التحتية والمصالح الحيوية التي تمسّ حياتهم اليومية, وفي ظل استمرار غياب الضمير الدولي تجاه الحرب على غزة, تواصل الطائرات الاسرائيلية قصف قطاه غزة الذي تحوّل وفقا لمصادر اعلامية الى مدينة أشباح نتيجة لتشديد الحصار و انهيار المباني على نطاق واسع, و قطع التيار الكهربائي و نقص الأدوية والغذاء, و بالتالي نزوح الآلاف تحت وابل من القصف الجوي ما يجعلنا نتساءل عن سبب غياب الضمير العالمي عن كل ما يحدث من عدوان على قطاع غزة المحاصر الذي تعرّض وفقا لمصادر الجيش الاسرائيلي الى أكثر من 40 طن من المتفجرات.
وفي ظل صمت المجتمع الدولي, وفيما تطالب منظمة الصحة العالمية بفتح ممرّات آمنة لأجل ايصال الخدمات الانسانية والمساعدات الضرورية لسكان القطاع, يعلن الجيش الاسرائيلي عن استعداده لقصف أي شاحنات قادمة من مصر باتجاه معبر رفح في اشارة الى منع المساعدات الانسانية عن المدنيين في قطاع غزة لتشديد الحصار و خنق القطاع حتى الموت بينما يشاهد كل العالم انتهاكات الجيش الإسرائيلي لكل قرارات الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي, و يقف مكتوف الأيدي حتى هذه اللحظة دون أن يصدر عن مجلس الأمن الدولي أي قرار ادانة لخرق اسرائيل قواعد و آداب الحرب بعد أن فرضت عقوبات جماعية على المدنيين الأبرياء و قصفت منازلهم و مساجدهم, بل و منعت دخول المساعدات الغذائية لكبار السن والاطفال, وحجبت عنهم حتى اشعة الشمس في وضح النهار اثر تصاعد و تراكم تشكيلات من السحب السوداء نتيجة لتصاعد اعمدة الدّخان في سماء القطاع بسبب القصف الاسرائيلي العشوائي بالمتفجرات وكل الأسلحة المحرّمة دوليا.
وهنا أتحدّث عن ازدواجية المعايير الامريكية و الأوروبية في علاقاتها الخارجية والتعامل مع الأحداث الدموية في أجزاء واسعة من العالم. فبينما نجد أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الأوروبيون يدعمون أوكرانيا لوجستيا و عسكريا واقتصاديا, و يسارعون بتوفير ممرات آمنة للنازحين ويستقبلون اللاجئين الأوكرانيين في الفنادق الفخمة, الا أن كل هذه الخدمات الانسانية و الفزعة الغربية البطولية لحلف الأطلسي تجاه الشعب الأوكراني تغيب تماما عندما يتعلق الأمر بالشعب الفلسطيني في الأراضي العربية المحتلة.
وعلاوة على ذلك, وفيما يتعلق بالقضية الفلسطينية, يغض التحالف الغربي الطرف عما تقوم به دولة الكيان المحتل من اعتداءات سافرة ضد المدنيين الأبرياء, بل و تصرّح الدول الغربية دونما خجل بدعمها و مساندتها لإسرائيل في كل مرة تشن اسرائيل العدوان على الفلسطينيين المدنيين بغض النظر عن كل المبادئ و الأعراف السياسية و القرارات الأممية التي تنص على حماية المدنيين, و توفير ممرات آمنة لإيصال الخدمات الانسانية كالغذاء والدواء و نقل الجرحى والمصابين الى المراكز الطبية مثلما يحدث في كل الحروب النزيهة.
ومن هذا المنبر الصحفي اتساءل و اقول لماذا لا تطبق أمريكا ما كانت تتحدث عنه سابقا من ضرورة حل الدولتين ووقف الاستيطان و إدانة اقتحام باحات المسجد الأقصى وما الى ذلك من تصريحات سياسية ثبت بما لا يدع مجالا للشك أنها مجرد تصريحات زائفة لا تعكس حقيقة الموقف الأمريكي من القضية الفلسطينية و لا تنسجم مع قرارات الأمم المتحدة بشأن قضية فلسطين ولا تتفق مع مبادرات السلام و ميثاق المفوضية السامية للأمم المتحدة لشئون اللاجئين, في حين يؤيد كل أحرار العالم حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واستعادة أرضه المحتلة وعاصمتها القدس الشرقية وفقا لحدود الرابع من يونيو/حزيران 1967!
ليس لأنها تغض الطرف عمّا يجري من انتهاكات اسرائيلية فحسب, بل لأن الولايات المتحدة الأمريكية تعلن كذلك عن تحريك حاملة الطائرات من البحر الأبيض المتوسط لمساعدة اسرائيل بالمعدّات العسكرية و أنظمة القبة الحديدة وغير ذلك من أشكال المساعدات العسكرية الأخرى رغم علمها بأن اسرائيل تسعى لحدوث إبادة جماعية في فلسطين المحتلة.
وبدلا من ارسال الأدوية والمساعدات الانسانية الأخرى, أعلنت الحكومة البريطانية كذلك أنها سترسل سفينتين تابعتين للبحرية الملكية و طائرات الى شرق البحر الأبيض المتوسط لدعم اسرائيل و تعزيز الأمن الاقليمي و منع أي تصعيد خلال الحرب بين اسرائيل و حركة المقاومة الفلسطينية وفقا لما ذكرته مصادر اعلامية. وهنا اتساءل ان كانت هذه السفن تحمل مساعدات عاجلة لإسرائيل أم تحمل لنا شرقا أوسطا جديدا !
عموما ليس من الغريب أن تنتهج بعض دول أوروبا و أمريكا سياسة المعايير المزدوجة اذ لم نشاهد خلال فترة القصف الاسرائيلي العشوائي على قطاع غزة عام 2014 أي ردود افعال أو تصريحات أوروبية و أمريكية مماثلة لذات الرّدود والتصريحات حول أوكرانيا عندما قامت اسرائيل بقتل المدنيين في فلسطين و تهجير الآلاف من قراهم داخل الخط الأخضر رغم مناشدات المنظّمات الانسانية الدولية آنذاك بوقف اطلاق النار على سكان القطاع المحاصر, ناهيك عن غياب ارسال المعونات لهم في تلك الظروف القاسية أو تقديم تبرّعات مالية لإعمار القطاع الذي دمّرته آلة الحرب الاسرائيلية أو على الأقل لإعادة بناء منازل الفلسطينيين الذين دمّرت جرّافات الجيش الاسرائيلي منازلهم في حي الشيخ جرّاح.
من هنا ينبع التساؤل عمّا هو الفرق بين اللاجئين العرب و الأفارقة و بين نظرائهم من النازحين الاوكرانيين المُدلّلين الذين سمحت لهم السلطات في دول الجوار الأوروبية باصطحاب و ايواء حتى كلابهم المُدلّلة, و توفير كل الخدمات الانسانية و الحيوانية, مثلما رأينا على شاشات التلفزة أثناء عبور اللاجئين الأوكرانيين حدود دول أوروبا الشرقية عندما التقطت كاميرات مراسلي وكالات الأنباء صورا لفتيات أوكرانيات جميلات, و هنّ يصطحبن معهنّ كلابا صغيرة, و لم يكن يبدو عليهن – خلال النزول من الحافلات الفاخرة أو الانتظار عند نقاط التفتيش – مشقّة النزوح و تكبّد معاناة السفر في نشهد يوحي بكرم الوفادة الأوروبية و حسن الاستقبال و كرم الضيافة والرعاية كما ذكرت في مقال سابق بعنوان "اللاجئون الأوكرانيون".
اتساءل من هذا المنبر عن سبب العمل بهذه المعايير المزدوجة في التعامل مع حالات النازحين والمحاصرين, كما أتساءل عن سبب التمييز والازدواجية في التعامل بين شعوب الشرق الأوسط و أفريقيا وبين الشعب الأوكراني الذي استقبلته أوروبا بالورود والزهور و الأحضان, في حين تؤيد هذه الدول قطع امدادات المياه والكهرباء والغذاء والدواء عن أهالي قطاع غزة المحاصرين – على مرأى من العالم أجمع – في منازل دمرتها القذائف الصاروخية الاسرائيلية.
يقول الشاعر عمر أبو ريشة:
ألإسرائيـل تعلــــو رايـــة *** في حمى المهد و ظل الحرمِ ؟!
ربّ وامعتصمــاه انطلقـت *** ملء أفـــواه الصبايـــا اليتــّمِ
لامست أسمـــاعهم لكنــها *** لم تلامس نخـــوة المعتصـــمِ
أيها الجنـدي يا كبش الفداء *** يا شعـــاع الأمـــل المبتســـمِ
بورك الجــرح الذي تحمله *** شرفــاً تحت ظــلال العلــــم