بالرغم مما تم نشره ومناقشته في وسائل الاعلام من القضايا المتعلقة بالصحة والتعليم والتقنية والبيئة والعمل والإسكان وغير ذلك من القضايا المحلية, الا أن التفاعل والتجاوب مع تلك المناشدات والتوصيات والمطالبات لم يصل بعد الى المستوى الذي يحقق الطموحات المأمولة من كلا الجانبين: قطاع الخدمات الحكومية وشريحة المستفيدين من هذه الخدمات.
فمثلا نجد أن أزمة السكن لازالت قائمة, و ارتفاع أسعار العقار “محلك راوح”, وغلاء المهور يتصدر قائمة الهموم, وأزمة الازدحام المروري نعاني منها يوميا, ومشكلات التعليم العام كحوادث نقل المعلمات والقبول في الجامعات لا زالت أيضا مشكلات مستعصية, وموضوع التلوث المناخي والبيئي “حدّث ولا حرج”, وعشوائية البناء وأعمال الحفر والهدم والمخلفات تتكرر بانتظام, اضافة الى مشكلات أخرى تتعلق بتصريف السيول في موسم الأمطار, وتفشي الفيروسات من حين لآخر نتيجة لضعف التوعية والخدمات الصحية الأولية أو ضعف أداء الأجهزة الرقابية الصحية, أو لعدم تطبيق بعض المواطنين والمقيمين لتحذيرات وتوصيات وزارة الصحة.
كما وان من يذهب بسيارته الى منطقة الفحص الدّوري للسيارات على طريق الدمام , سوف يجد هناك فوضى عارمة لجميع أنواع المركبات لا سيّما الشاحنات الكبيرة ما يؤدي الى توقف الحركة المرورية أحيانا نتيجة لتكدّس أعداد من الشاحنات في محيط مجمّع الصناعية و أمام ورش صيانة السيارات, فضلا عن تواجد أعداد كثيرة من المقيمين اليمنيين و الأفارقة وسط الطريق في محاولة منهم لإيقافك والتجمهر أمامك لفحص سيارتك والتحدّث اليك بكل وسائل التوسّل والاقناع والاستعطاف.
وفي الطرقات الداخلية الضّيقة للمجمّع الصناعي ستجد من يعترضك ممن تعلو اصواتهم على أصوات مكبّرات الصوت و هم يهتفون بشعار " فحص, فحص, فحص", رافعين أيديهم أمامك في اشارة لمطالبتك بالتوقف شبه الاجباري, وكأّنّما أنت وقعت في كمين نصبه لك ثلّة من قطّاع الطرق .. يحدّثونك من كل جانب مطالبين بنزولك و فحص سيارتك و اصلاح أي خلل محتمل فيها حتى لو لم يكن فيها أي خلل فنّي.
وأيضا لا زالت مظاهر التفاخر بالإسراف وهدر الأطعمة في المهرجانات والمناسبات الاجتماعية تتصدر حديث المجالس بالرغم من نهي الإسلام عنها وبالرغم من نداءات ترشيد الانفاق والاستهلاك. كما ونسمع دائما عن سوق سوداء للمتسللين عبر الحدود ومخالفي نظام الإقامة والعمل وتلاعب مكاتب الاستقدام بالأسعار, وقضايا أخرى كثيرة لا يمكن حصرها في مقال واحد.
المهم أن ما أود تسليط الضوء عليه في هذا المقال هو أن قضايا كثيرة في بلادنا لم يتم حلها بشكل نهائي, غير أنني لا أحمّل كامل المسئولية للجهات الحكومية المعنية فحسب, وانما المجتمع كذلك يتحمل جزء كبير من المسئولية. فهو مطالب باتّباع التعليمات والتوصيات والتحذيرات والارشادات وتطبيق الأنظمة والقوانين واحترام الذوق العام في الأماكن العامة. فعندما تشاهد مثلا – دونما أي اعتبار للآخرين – قائد مركبة يسير أمامك على الطريق وفجأة تلاحظ تطاير اوراق المناديل و قوارير المياه والمشروبات الغازية وغيرها من نوافذ السيارة, فلا أعتقد أن سلوكا كهذا ناتج عن نقص التوعية بأهمية المحافظة على البيئة وتجنّب تشويه معالم الطرق والمرافق العامة.
وفي الجانب الآخر من المرآة, نشاهد الخلل الناتج عن الإهمال أو التهاون والتقصير في أعمال بعض المؤسسات والجهات الحكومية الخدمية بسبب عدم تفعيل بنود الرقابة والمتابعة والسلامة في عقود التشغيل والصيانة والنظافة والانشاءات مع القطاع الخاص. ومن الأمثلة على ذلك تدني مستوى معالجة مشاكل تصريف السيول والنظافة في الأحياء, وتجمّع المياه, وتراكم النفايات ومخلفات البناء لمشاريع القطاع الخاص, و الزفلتة والانارة والترصيف والتشجير, ومحدودية عمليات رش المبيدات للقضاء على القوارض والحشرات وما الى ذلك من المسائل المتعلقة بمتلازمة نظافة البيئة وصحة الانسان, اذ لا تتحقق صحة جيدة دون أن تتوفر بيئة نظيفة.
ومن وجهة نظري الشخصية فان دفع عجلة التنمية المستدامة للوصول الى مستوى متقدم يعكس مدى التطور ويحقق تطلعات ولاة الأمر حفظهم الله في مكافحة كل صور الخلل والتهاون والفساد والاهمال والتقصير لأجل تقديم أفضل الخدمات للمواطنين بما يتواكب مع رؤية المملكة 2030 لتحقيق التوازن والرفاه الاقتصادي للأجيال القادمة, انما يتطلب تعاون المواطن مع حكومة بلاده في كل الظروف والأحوال. ولهذا أرى أن تحقيق هذه الأهداف وتلبية الطموحات والتطلعات سيكون ممكنا في اطار وضع خطة وطنية تتضمن تشكيل هيئة تنظيمية جديدة تكون رافداً مهمّاً للوزارات الحكومية المعنية بالخدمات العامة بحيث تتولى مهام الرصد والرقابة الميدانية الشاملة لأعمال ومشاريع الجهات الحكومية ثم عرض تقريرها و توصياتها خلال فترات زمنية منتظمة أمام السلطة التنفيذية للاطلاع واتخاذ القرارات المناسبة, ومن ثم وتوجيه الوزارات المعنية بالاطلاع على مضمون توصيات “هيئة الخدمات الوطنية المساندة” واتخاذ التدابير اللازمة حيال ما ورد فيها من احتياجات ملحّة أو مخالفات تم رصدها..
وبإنشاء هيئة وطنية كهذه, فسوف يتم التعامل مع مستجدات الأحداث في قلب الحدث وفي نفس الوقت, ويتيح للأيادي السعودية فرصة جديدة للعمل والمساهمة في نهضة وطنهم. وحينما تتولى هذه الهيئة مهام الرقابة والرصد والمتابعة الميدانية للمشاريع الانشائية والمرافق القائمة, وترصد في ذات الوقت سلوكيات افراد المجتمع في الشارع, وتتلمّس احتياجاتهم ومطالبهم, فان مخرجات قرارات السلطة التنفيذية ستكون أكثر ايجابية وفاعلية, ذلك أن القرار التنفيذي سيكون مرتكزا على توصيات الخبراء في البيئة والصحة والتعليم والمجالات الخدمية الأخرى التي تهم المجتمع وترسم صورة جميلة عن بلادنا الغالية.