تُعد القروبات أحد وسائل التواصل الاجتماعي التي يحرص على استخدامها والتفاعل معها مُعظم الناس في عالمنا المعاصر إلى حد الإدمان، وهي مصطلح غربي تعني، مُلتقى للحوار، والمحادثات، بينما تعني في لغتنا العربية الأصيلة والتي ربما تكون هي مصدرها الأساسي: الدنو من الشيء وهي مشتقة من الفعل قرب يقرب قرباناً، وتقارب القوم دنا بعضهم من بعض واستقرب شخص صديقاً له أي طالبه بالاقتراب منه، ولها ومساران، فإما أن تكون مُلتقى للاحبة وتبادل المعلومات والخبرات والتجارب والتعرف على المستجدات الحياتية، وتلقي الأخبار، فضلاً عن توطيد وشائج القربى والأخوة والتعاون بين أعضائها، والتي ما أشبهها، بتلكمُ المجالس والصالونات الأدبية والثقافية التي كان الكثير من الناس في عهود قديمة يترددون عليها مع فارق الحضور بطبيعة الحال، لأجل رؤية بعضهم البعض ولقضاء جزءً من أوقاتهم بما هو مفيد ونافع من علوم الدنيا والدين، عوضاً عن التشاور والتعاون بما يخدم مصالحهم، أجمع المُعاصرون على تسميتها بالزمن الجميل، وإما أن تكون، ساحة للسب والشتم والتراشق بالكلمات الجارحة ونشر الصور الخادشة للحياء من خلال إظهار محاسن بعض النساء والافتنان بهن، وهو مُحرم في الإسلام، أو استخدامها لترويج الشائعات وإثارة الفتن بين الناس والتلاعب بمشاعرهم، أو القيام بنشر أحاديث نبوية دونما التأكد من صحتها للاستشهاد بها في موضوعات مُعينة، فيشملهم قول النبي صلى الله عليه وسلم (من كذب علىّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار) أو جعلها الشغل الشاغل لما هو أهم لحياتهم وبخاصة الإنسان المسلم، ممثلاً في تأدية الصلوات الخمسة في اوقاتها، استجابة لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) أو غيرها من القيام بالواجبات الأسرية وفي مقدمتها تربية الأبناء وتعليمهم، وكذلك الواجبات الوظيفية وإنجازها دونما تأخر، علاوة على صلة الأرحام والجيران وزيارة المرضى في أماكن علاجهم، ومدى حاجتهم للهدوء والسكينة وراحة البال، يقول أحد الزملاء في ضمن هذا السياق بأن لديه ثمانية قروبات (أسرية وعائلية وقبلية وعلى مستوى أصدقاء وزملاء سابقين، ومتقاعدين، وجماعة مسجد، وجيران) ويتلقى عبرها ما يزيد على (14) رسالة نصية يومياً، بالإضافة لفيديوهات تتضمن توجيهات وإرشادات مُكررة ومعروفة، وفي أحيان أخرى صور مُقززة أو مُرعبة أو مُقلقة، فلو ضربنا هذه الرسائل على أقل تقدير في ثمانية قروبات لوصل عددها إلى (112) رسالة في اليوم الواحد، وإلى (3360) في الشهر، وإلى (40,320) في السنة، ولسنتين فقط (80,640) فما بالكم بمن يتلقى (25) رسالة يومياً ولديه ما يزيد على(10) قروبات؟ الإجابة بالكاد لا تخلوا من اتباع ما يلي: فإما أن يقرأها جميعها وهذا يحتاج لوقت طويل وعلى حساب مُتطلبات حياتية أخرى غاية في الأهمية، وإما أن يقرأ ما استساغه منها ويترك الباقي، وإما أن يقوم بمسحها وكأنها لم تكن شيئاً مذكورا، وجميعها ينطوي عليها دونما ريب مشاغل ذهنية وهدر للوقت والمال من كثرة الاستخدام والتكرار والنسخ واللصق، ويا ليت شعري كم تتعجبون من أولئك الذين يقومون بإرسال رسائلهم لأكثر من مرة في القروب الواحد والتي غالباً ما تكون أدعية وأذكار صباحية ومسائية وتحديداً يوم الجمعة، نكاد نجزم بأن الجميع حفظها عن ظهر قلب كما يُقال، إما ناسين أو لأنهم لم ينتبهوا جيداً لرسائلهم المرسلة مُسبقاً، ناهيكم عن قيام بعضهم، بإرسال مثل هذه الرسائل المزدوجة لأصدقائهم، أو لزملائهم مرة أخرى عبر جوالاتهم الخاصة، بنفس القروب، ربما لأجل تعميم فائدة مشاركاتهم من خلالهم على نطاق أوسع والله أعلم، وهو ما يبعث في تصورنا على الملل والسأم، ولربما النفور، لاسيما وأن إمكانية التزود بالعلوم المعرفية والثقافية والأخبار المتنوعة في مختلف المجالات بات سهلاً وميسوراً في ظل، وما يشهده عالم اليوم من تنافس إعلامي محموم وتطور تقني لا حدود له، أما بالنسبة للتهاني والتبريكات والتعزية، فيفترض على كل عضو بالقروب، القيام بالاتصال المباشر بالمعني بالأمر، طالما هو معهم، إذا لم يتمكن من زيارته بمنزله لاسيما في حالة الوفاة، لما في هذه الخطوة من تجسيد حي لأواصر المحبة والمعزة، وفرصة سانحة لتقديم واجب العزاء لبقية أخوته وذويه لأجل التخفيف عليهم من وطأة أحزانهم ومُصابهم الجلل، بدلاً من إرسال رسائل نصية، والتي قد تكون مُحولة وهو ما يفقدها أبسط المشاعر الودية والأخوية الصادقة التي تربطهما ببعضهما البعض، إما لرفع الحرج والعتب، أو لكي لا يُقال عنه بأنه شاذ عن مجموعته، فالقروبات إذاً سلاح ذو حدين، ويتوقف الاختيار الأفضل والأمثل بصددها على ما يملك الشخص من فكر نير، ونظرة ثاقبة تُؤطرها مخافة الله في السر والعلن، قال أحد الحكماء ( أخٍ كلما لقيك ذكرك بحظك من الله، خيرٌ لك من أخٍ كلما لقيك وضع في كفك دينار، وعندما سُئل حكيم آخر: ما أفضل العقل؟ قال: معرفة المرء بنفسه، ووقوفه عند علمه، وحفظه لماء وجه، بينما قال الإمام علي رضي الله عنه ( صُنِ النَفسَ وَأحمِلها عَلى ما يُزيِنها * تَعِش سالِماً وَالقَولُ فيكَ جَميلُ )( وَلا خَيرَ في وِدِّ اِمرِئٍ مُتَلَّونٍ * إِذا الريحُ مالَت مالَ حَيثُ تَميلُ) فلنتقارب إذاً بقلوبنا لا بقروباتنا، وحسبنا أن بيت الحبيب ما هو بعيد، في أمثالنا العربية، ولعل ذلكم يتجسد بدءً من عيدنا الأضحى المبارك الذي سيطل علينا بعد أيام قلائل، وكل عام والجميع بخير وصحة وسعادة.
عبد الفتاح أحمد الريس