لا يتأتَّى الوعيُ باللحظةِ الحاضرةِ والماضيةِ إلا لمن وعى التاريخَ وأضافه إلى عُمرهِ وضمَّه إلى جوانحه، ليت شعري كم فقد أولئك التائِهون في أعماقِ أعماقهِم ولم يهتدوا بعدُ إلى ذواتِهم، عندما فقدوا تلك اللحظةَ التاريخيةَ الفارقة في مسارِ الحدثِ الزمنيِّ، ولكن لسائلٍ أن يسأَل وكيف نُمسكُ بتلك اللحظة؟
والإجابةُ على هذا السؤالِ صعبةٌ إذا ارتبطتْ بشرطها الحضاري الآني وأُسقِطتْ على الواقع، وصعوبتُها تكمُنُ في قدْرِ البوحِ المُتخطِّي للأسوار العالية والعوائق المُتربِّصة.
ما أغربَ التاريخَ كيفَ أعادَنِي لحفيـدةٍ سـمراءَ من أحفادِي
الزخرفاتُ أكادُ أسمعُ نبضَهَا و الزَّركشاتُ على السقوفِ تُنَادِي
والكتابةُ علاجٌ لخوالج النَّفسِ وتوتُّراتِ الرُّوح، أو هي فعلٌ أنانيٌّ كما وصفها بعضُهم.
لقد ابتعدتُ عن الموضوعية أو إن شئتَ صلب الموضوع و هذا ليس بيدي وإنما هي طبيعة الكتابة التي تترامى في أحضان الأساليب الأدبيَّة، وإن كنتُ "أُعدُّ منها ولا أُعدِّدُها"
وليس هذا استدعاء للتاريخ عند كُلِّ إخفاق أو ارتباك في قياس أبعاد المشهد، والانعطافة هذه تكون من الانفعال بقراءة كتاب أو استبطان معنى فيه يذهبُ بقارئهِ كُلَّ مذهب.
(جول لمتر) الناقد الفرنسي المعروف قالها قبلُ عن هذا الجَيَشَانِ في العواطف والشعور بعد أن يقرأَ بعض الكتب المؤثِّرة: "ولا أكادُ أفرُغُ من كتابٍ أقرؤه حتى يذهب بي الانفعالُ مذاهبَه حزناً وفرحاً، وقد أضطربُ لشدَّةِ السرور، وكأنَّما خالطني ذلك في اللحمِ والدَّمِ".
وفي أكثر الأوقات يُستثار الوعيُ بطريق الجدل والمناقشة التي تُخْرِجُ أعمقَ ما في المتجادِلِينَ، وكذا لِنَقُلْ أسوأ ما فيهم، على أنَّ هذه النِّقاشاتِ لها بعضُ الأثر في النفوس ولكنَّها في نهاية الأمر من الأهمية بمكان.
ويفتحُ اللهُ بهذه الجدالات المعرفية، آذناً صُمَّاً وأعيناً عُمياً، ولو كانت خارج هذه الأسوار الثقافية، لأنَّها عدوى نافعةٌ ومحاكاةٌ طيبةٌ، تجعل المنتجَ الثقافيَّ المسموعَ منه والمقروءَ حاضراً في الأذهان مُتَدَاولاً بين العامة، مما يجعل اللحظةَ الزمنية أكثرَ تكثيفاً وأسهلَ في التأثير وأدعى لبقاء الفكرة حيةً متَّقِدةً في العقول.