سمعتُ أحدَهم يوماً يذكرُ مقولةً عن شيخٍ وقف على جماعة من البطَّالين في أحد المقاهي المُعَدَّة للعب وشُرْبِ (الشيشة) وتضييعِ الأعمارِ فيما لا طائلَ من وراءه، فقال مُتَنَهِّداً :"لو أنَّ الأوقاتَ تُشترى لاشتريتُ من هؤلاء وقتَهم"
هكذا بدون ذكر لهذا الشيخ و في أي الأزمان وغير ذلك من الظروف المحيطة بهذا القول ولا حتى المقولة بنصِّها، ولكنْ بعد تعدُّد القراءات، وجدتُ هذه المقولة للشيخ جمال الدين القاسمي المفسِّر صاحب (محاسن التأويل)، وهي أنَّه كان الشيخ جمال الدين يمرُّ بالمقاهي ويرى اللاهين فيها فيقول: "ليت هؤلاء يبيعوننا أوقاتهم".
قرأتُها في كتاب (سماء الذاكرة)، وهي مذكرات ماتِعة، وفي بعضِها لم تكن كذلك، وعلى عادة كتب السير الذاتية التي تُغني قارءها بالتجارب والدروس العملية في مسارات الحياة، التي لا يمكنُ وجودُها إلا فيها.
هناك أسئلة لا يُجيبُ عليها إلا التنقيبُ في الكتب واستخراجُ مُخبَّآتِها، لن تجدَ أحداً يُرشِدك كالكتاب،
وهذه أعظمُ المِنن وأجزلُ العطايا.
الأحاديث يشوبها التزوير والاختلاقات، والحقيقة مَنْ يبصرها يكونُ عاشقاً لها، وهل في ذلك الأمر إلا أن يقول القائلُ هذا وكفى وهو الذي تنطلي عليه الأراجيفُ، ويجعلُ من عقلِه صلصالاً في أيدي العابثين، ما كان أغناه عن هذا لو أنَّه اتَّبع الطريق، لو فعلها لآنَسَ من جانب المعرفة ناراً تضيءُ طريقَه، لكن غلبة الكُدورات الطينية أثقلتْ الروح فتمازج الطينُ وتلبَّكَ!
يقول الروائي أيمن العتوم: "القراءة إجابة سؤال الوجود، إنَّ في الوجودِ أسئلةً كبرى تظل مُعلَّقة كأنَّها على قِنِّ جنٍّ، لا يُنزِلُها من عليائها غير القراءة، القراءة إجابة ما لا يستطيعُ العقلُ الإجابةَ عنه، فاللرُّوحِ حاجاتُها وأسئِلتُها كذلك، وحين يعجزُ العقلُ، تتقدّم الروحُ، وحين تأتيك اقرأ سماويةً علويَّةً تجدُ فيها الروحُ إجابتَها"(١)
الولوج في الغابات المتشابكة من المعارف والحقول المعرفية، في بدءِ الأمر يولِّد تيهاً يتلوه تيهٌ؛ ولكن في نهاية الغابة تحلو المُغامرة وتُستلذُّ، و تبدأُ فصولٌ من المتع العقلية، ولكل مرحلة أُنْسُها و إيناسُها، فلا يستعجلنَّ أولو الألباب.
سالم صعيكر البلوي
——————————
هذه سبيلي، أيمن العتوم، دار المعرفة، ص١١٢