كشف تقرير لمجلة “تايم” الأمريكية، العلاقة بين ارتفاع درجات الحرارة، ومعدلات الجريمة؛ حيث يبدو أن لسخونة الطقس علاقةٌ بالقلق والاكتئاب لدى الإنسان.
واستند التقرير إلى دراسات أجراها عدد من خبراء علم النفس، بالإضافة إلى شهادات عديدة بينها موقع تويتر، الذي أورد أن التغريدات التي تتضمن أحاسيس الكراهية والعدوانية تزداد خلال موجات الحر.
يغلي الدم في عروقنا
وحسب موقع “الحرة”، جاء في التقرير تأكيدٌ على التغيرات التي تطرأ في أجسامنا عند أحاسيس القلق والهيجان، وقالت المجلة: “عندما نشعر بالانزعاج، نشعر بالحرارة، وعندما نغضب يغلي الدم في عروقنا”.
يُذكر أن خبراء حذروا -الأربعاء- من أن العالم سيشهد درجات حرارة قياسية جديدة في السنوات الخمس المقبلة؛ مُرَجّحين أن ترتفع بأكثر من 1.5 درجة مئوية فوق المستويات قبل فترة التصنيع.
ويمكن أن يكون لتجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية “عواقب وخيمة” على الإنسان؛ وفق تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية.
العالم إلى “منطقة مجهولة”
وحذّرت هذه الوكالة الأممية من أن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية سيمثل تسارعًا ملحوظًا في التأثيرات البشرية على نظام المناخ العالمي، ويرسل العالم إلى “منطقة مجهولة”.
بناء على ذلك، يشدد التقرير على فهم كيفية تأثير درجات الحرارة المرتفعة على الدماغ، والأهم من ذلك، كيف يمكننا حماية أنفسنا والآخرين.
الحرارة والمرض العقلي
ورغم أن العلاقة بين الحرارة والمرض العقلي ليست بديهية أو معروفة بشكل واضح؛ يقول خبير الصحة العقلية في قسم الصحة العالمية بجامعة جورج تاون شباب وحيد، للمجلة: “من السهل أن نفهم كيف أن المرور بتجربة صادمة، مثل الأعاصير مثلًا، يمكن أن يؤثر على الصحة العقلية”.
وشارك وحيد مؤخرًا في دراسة نُشِرت على موقع “The Lancet Planetary Health” أظهرت أنه حتى بزيادة درجة واحدة في الحرارة أعلى من المعدل الطبيعي؛ “يساهم ذلك في ارتفاع احتمالية الإصابة بالاكتئاب والقلق”.
وبينما ركز البحث على بنغلاديش؛ فإن النتائج تنطبق على العالم بأسره، بحسب تعبيره.
وهنالك مجموعة متزايدة من المؤلفات العلمية التي تحدد الصلة بين العوامل المتعلقة بالمناخ والنتائج السلبية على الصحة العقلية. ومع استمرار تغير المناخ في التدهور، “تكتسب هذه الروابط قوة”.
حالات الانتحار
ووفقًا لدراسة أجراها عالم الاقتصاد بجامعة ستانفورد الأمريكية، مارشال بيرك، عام 2018، ونشرت في مجلة Nature Climate Change؛ فإن الزيادة في متوسط درجة الحرارة بمقدار 1.8 درجة فهرنهايت (1 درجة مئوية) في الولايات المتحدة والمكسيك ترتبط بزيادة قدرها 1 % بحالات الانتحار.
وتتوقع دراسة “بيرك” أنه إذا استمرت درجات الحرارة في الارتفاع وفقًا لتوقعات علماء المناخ؛ فإن الزيادة الناتجة ستكون كافية لمحو الجهود المشتركة لبرامج منع الانتحار وسياسات التحكم في الأسلحة في الولايات المتحدة.
تزايد أيام الحر
ويتزايد عدد أيام الحر الشديد كل عام بسبب تغير المناخ، ومعها التهديد على الاستقرار العقلي، كما يقول روبن كوبر، الأستاذ المساعد في جامعة كاليفورنيا سان فرانسيسكو.
ويقول الرجل في حديثه للمجلة: “علينا أن نبدأ بالتفكير في تغير المناخ باعتباره أزمة صحة نفسية، إذا تجاهلنا تغير المناخ باعتباره تهديدًا للصحة العامة؛ فإننا نتخلى عن دورنا كمقدمي رعاية صحية”.
وفي حين أنه من المعروف جيدًا أن الحرارة تؤثر على وظائف المخ؛ فإن الآليات الدقيقة غير مفهومة على نحو كافٍ.
ويشير العلماء إلى العديد من العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية المترابطة التي تتراوح من النوم المتقطع إلى الوظائف التي تعاني من ضعف الحرارة في الناقلات العصبية والهرمونات الحيوية.
وتميل حالات الانتحار والأحداث المتعلقة بـ”الهوس واضطراب ما بعد الصدمة” (PTSD) إلى الحدوث، في أواخر الربيع وأوائل الصيف، عندما تكون درجات الحرارة أكثر تقلبًا؛ وفقًا لما ذكره جوش وورتزل، الذي يدرس تقاطع تغير المناخ وموجات الحرارة والصحة النفسية في جامعة براون، في حديثه للمجلة.
ويقول بالخصوص: “ليست الأيام الأكثر سخونة في العام بالضرورة هي التي ترتبط بأكبر عدد من حالات الانتحار ومحاولات الانتحار، ولكن في الواقع عندما تتغير درجة الحرارة بشكل كبير، تزيد حالات الاضطراب النفسي”.
وعادة ما تكون التقلبات الشديدة، مثل ارتفاع درجات الحرارة من 15 إلى 30 درجة فهرنهايت، هي الأكثر خطورة.
النوم
ويمكن إرجاع الكثير من تلك الاضطرابات إلى تذبذب النوم.
ويعرف أي شخص عاش في موجة حارة دون الاستفادة من تكييف الهواء، أن النوم الجيد يصبح بعيد المنال.
ومع مرور الوقت، يمكن أن تؤدي الآثار التراكمية إلى فقدان الذاكرة، وقلة التركيز، وزيادة التهيج، كما يقول كوبر.
ويردف: “النوم وظيفة معقدة للغاية، وقلة النوم لها العديد من التداعيات المختلفة على الصحة العقلية”.
وغالبًا ما يكون ضعف النوم سببًا لنوبات الهوس لدى أولئك الذين يعانون من اضطراب ثنائي القطب؛ وهو مؤشر على أنه يؤدي وظيفة مهمة في تنظيم الحالة المزاجية.
وتؤثر الحرارة أيضًا على الناقل العصبي السيروتونين، أحد أهم منظمات الحالة المزاجية لدينا، والذي يرتبط بشكل وثيق بمراقبة العدوانية.
ووفق “وورتزل”؛ يساعد السيروتونين في نقل المعلومات الخاصة بدرجة حرارة الجلد إلى منطقة ما تحت المهاد في الدماغ، والتي تستمر في التحكم باستجابات الارتعاش والتعرق عند الضرورة؛ وهي بذلك تؤثر بطريقة مباشرة على إدراك الشخص ومن ثم سلوكياته.