تذهب الرواية السعودية عن جبر الخواطر وثماره على من يفعلها مع بني جنسه البشر . مقدمة الرواية من أقصى جنوب عفيف عالية نجد بين شفاء نجد وعاليته بمسافة مائة كيلاً برقة دمثاء ونفود . يتخللها بعض الشضوف المتناثره والمتباعدة ، ولا تخلو من حزوم صخرية حجرية في بعض المواقع ، وعروق رملية . تعود الرواية في عام ١٣٥٩ هجرياً وارهاصاته ، وماسبقته من سنوات . اجدبة الأرض وأمحلت ، وعاش أهلها في ضيق وحرج ، وقطيع المواشي في نفوق مستمر هزيلة الحال ، وقحوط الأرض ، وامحلالها من الكلاً ، واضمحلال الماء من موارده ، والبعض جفت مناهلها ، والبعض الأخر غور ماءه لا يستطيعون طلبه ، واصاب إنسان تلك الناحية الضعف وعدم القدرة لسوء التغذية ، وقلة القوت ، وتشهب أديم المكان جرداء عارية من الغطاء النباتي . ترى أشجار السلم والسمر ، وبعض من السرح والطلح متقعر هشيماً خالية غصونه من اوراقها . حمراء الغصون ، والشماريخ مما أصابها من دهر وقحط ، وهبايب الغبار وسافيه يتمور من كل جهة ، والمعاصير من الأرض أسطوانية الحركة تلف مساحات من الأرض ، وصفير الرياح يزعج الاسماع ، ويفزع ما داخل جوشن الإنسان ، وفي الصيف تشتد سخونة الجو والأرض ، وزد كثيراً من سمومها لاسيما في برج الأسد في أغسطس من السنة ، وفي الشتاء القارص يزداد زمهريره كثيراً ، فإنسان هذا المكان بين سخونة تفور صيفاً ، وبرودة قارصة شتاءً ، وعجاج يحوم بغبرة تحجب الرؤية ، وخصر البرودة موجعة بلسعاته الثلجية تشتد في ذروة الشتاء فكلاهما السخونة والزمهرير منهكت بإنسان المكان ، ومقلقة حياته ، ومن مهددات حياة الإنسان والحيوان . تمزق الخدور ، وتصرم أعمدتها ، وانهصار الخيام وتيبس القرب ( الشنان جمع شنه )وتعيبها .
ماكان من فيحان بن منشط بن عفيفه ان يرى قطيع مواشي أهله من الإبل والأغنام . تنفق شيئاً فشيئاً حتى لم يبق إلا النزر القليل لا يسمن ، ولا يغني من جوع بسبب قلة الأمطار ، وجفاف الأرض وصعوبة طلب الماء ، وتساقط الكثير من الأسر بوفاتهم من الجوع او طريح عدم الاستطاعة على الحركة والقيام فضلاً مهاجمة الأوبئة الخطيرة والفتاكة . لا خيار له إلا الرحيل بحثاً عن فرص العمل ، ولقمة العيش الكريمة لأسرته . فالفقروالعوز أجبره على الرحيل ، فاتجه ناحية مكةالمكرمة ، وهو في السادسة عشرة من العمر . ملتمساً عملاً ، وفي أول أمره عمل عند أحد السقاة من الجاليات اليمانية ينعت " بالتعزاوي من تعز اليمن "حرفت عمل احترفها ثم بعد أربع سنوات أنفصل عن السقا التعزاوي واتخذ من حي الجميزة بين الخرمانية والجعفرية مقراً لحرفة السقاية لدور المتنفذين والميسورين بجعل معلوم في الشهر . وعرف بتسامحه ويؤثر الصدقة من فضل ماله ، ويتعهد بتأمين سقية المساجد ، ومنازل الأيتام والأرامل مجاناً دون مقابل ، والمدارس وبعض الادارات الحكومية ، والمرافق الخدمية بأجرة معلومة .
ذات يوم وهو يحتسي شاي عدنياً في مكتبه المطل على الجهة الشمالية الشرقية مما يلي مدخل ريع ذاخر جاءته زوجة جاره أم أيتام متوفي زوجها تشكو لله ثم إليه قلة اليد ، والضائقة المالية ، وقد بلغها المجهد ما بلغ بها ، ودفعت إليه قربة لها من أجل أن يشغلها في السقاية مقابل اجر شهري مثلها مثل مثيلاتها من قرب ( شنان ) فأعطاها ريالاً واحداً عن الشهر فتقالته ما دفع لها ، وطلبت خمسة ريالات عن كل شهر ، فأذعن لطلبها باعتبارها أم أيتام ، فلما انصرفت اعاد النظر في قربتها ، فإذا تتطلب إصلاحها ورقعها أكثر من قيمة قربة جديده ، فركنها بالمستودع دون ان يستعملها وتتقاضى أم الأيتام كل شهر خمسة ريالات أجرة قربتها وبعد مضي مايزيد عن خمس سنوات جاءت إليه مخبره ان أحد أبناءها توظف في إدارة المطافئ ، وان أحوالهم تحسنت ، والاخر من أبناءها على وشك ان يتعسكر بالجيش السعودي ، ولا داعي لتأجير القربة .
ياسادة هذا السقا الذي جاء من غياهب نفود عالية نجد جنوب عفيف أول إقلاع للمؤسس الأول الملك / عبدالعزيز يرحمه الله بالطائرة لضاحية الحوية بالطائف . سخطت أسرته من حرفة السقاية بينما هو مقتنع تدر عليه دخلاً لا باس ، وحاولت أسرته ومن وراءها فصيلته التي تأويه بكافة وسائل الاقتاع ، وأساليب الضغط عليه ان يعدل عنها ، ويمتهن غيرها ، ولم يذعن لرغبتهم ، وتفقت عشيرته ان تهدده باخراجه من الخامس ماكان جوابه باللهجة المكاوية ان قال اخرجوني من الخامس إلى السادس او السابع .
هذا السقا حينما توفي تفاجأ أهل الحي ومعارفه وأصدقاءه ومغسله ومشيعيه . يفوح منه أزكى رائحة عبق طيب العود ، وكذلك قبره ، وإذا اقترب الزائرين من قبره لاحظوا رائحة زكية عبق العود تندفع إليهم ، وتدغدغ أنوفهم بأزكى رائحة حتى مازال يومنا هذا بعد مرور نصف قرن من وفاته .
لا حدس هذا من علامات القبول ، صدق الصادق المصدوق أنتم شهداءالله في أرضه ، والعبد في ظل صدقته ، وسماحة أخلاقه ، وجبر الخواطر تبعد المخاطر .
- صندوق تنمية الموارد البشرية يحذّر مُستفيدي “جدارات” من مشاركة بياناتهم مع حسابات مجهولة
- تعدٍ على حقوق الآخرين.. “وقوف المركبات الخاطئ” في تنبيهٍ من “المرور”
- ماذا تعرف عن “الصحة الواحدة”؟.. إيضاح من “الغذاء والدواء” و4 خطوات لحمايتها
- الأمل في صلاة الاستسقاء.. “العصيمي”: فترة استقرار جوي طويلة لمنتصف ديسمبر!
- وزير النقل: انخفاض مستوى الوفيات على الطرق بأكثر من 50%
- “إعفاء ولا مقابل مالي للنشر”.. 7 مزايا لتعديل عقد تأسيس الشركات وفق النظام الجديد
- لمرضى السكري.. الصيام المتقطع يساعد في التحكم في سكر الدم
- منها منع الوقوف تماماً.. “سلامتك” توضح نظام ألوان الأرصفة حسب كود “الطرق”
- ما الحد الأدنى لضمان السيارة؟.. “التجارة”: خياران على الوكيل توفير أحدهما
- تحرُّش وتهريب وسرقة مركبات.. 5 جناة في قبضة “رجال الأمن”
- “إيجار”: إلزامية الدفع عبر “مدى” وسداد العقود السكنية الجديدة بدءاً من 15 يناير
- 5 أطعمة مثلى لتعزيز صحة الدماغ
- فتح التسجيل في برنامج الابتعاث لشاغلي الوظائف التعليمية والإدارية
- «الأرصاد» عن طقس الأحد: أمطار رعدية ورياح مثيرة للأتربة على عدة مناطق
- “هلال المدينة” ينقذ حياة سبعيني قرب المسجد النبوي بالدراجة الإسعافية الحديثة
خالد بن حسن الرويس
سته على سته – ٣٧ –
15/02/2023 11:31 ص
خالد بن حسن الرويس
0
308056
(0)(0)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3539409/