هو لقب لطائر جميل شغل حيزاً كبير في ذاكرة المجتمع البدوي بشكل خاص. هذا الطائر لايتكلّف في استعراضه لنفسه، وهو يتصرف على سجيته، يغرد ويتراقص؛ يتحرك بخطوات سريعة وقريبة. يعلو جسده ريش أبرق؛ فتلتفت إليه الأعناق. ويتابعه رعاة الماشية بالنظر، إذا حلّ أمامهم، ثم تتبع الأقدام مابدأته الأعين. فيرونه قريباً ويعتقدون بأن الإمساك به سهل، فيلاحقه البعض، حتى يقطع بهم الوادي؛ ويضيع بعدها حلالهم، ووقتهم، وجهدهم. ولايرجعون منه بشيء.
"ملهي الرعيان"، كان يحذّر منه الآباء والأجداد. لأنهم أدركوا عبر الزمن، أن متابعته لاتفيد الراعي بشيء. بل أن النفس، والمال، قد يضيعان، وهو يتتبع حركاته وسكناته.
ومع تطور الزمن، تغيّرت حياة الناس؛ والكثير من المفاهيم.
في السابق كان الأبناء يجدون (ملهي) واحد، يأخذ من وقتهم، ويستهلك من جهدهم. واليوم تزاحم على أبنائنا أكثر من (ملهي)، عربي وغير عربي؛ كلهم يتنافسون على إضاعة الوقت والفكر، بل ويصل البعض من المُلهين الى إضاعة المباديء والقيم للأسف.
يتواجد منهم في وسائل التواصل الاجتماعي، المئات والآلاف يتحدثون بلغتنا ويقاسموننا البيئة والثقافة.
ما كنا نراه سابقاً، من ضعف شأن ذلك الطائر (ملهي الرعيان)، نجد اليوم، نسخته أكثر حضوراً، وتأثيراً، وأوسع دخلاً، من أصحاب الرأي، والفكر، والشهادات العليا. ومن الغريب أن الملهي الواحد يتبعه من الأقوام الكثير؛ من مختلف الأعمار والمشارب. يميلون معه حيث مال؛ ويتواجدون حيث أشار. بات قدوة دون أن يدري أو يدرك معنى ذلك. وليس غريباً لو قلنا بأن العاقل بات يتابع السفيه. بل وتتسابق عليه الشركات وتغدق عليه ليزيد.
كثير من الحسابات اليوم في العالم، هي في الواقع "ملهي رعيان" جاء في قالب إلكتروني جديد.
ومن غريب عالمهم، أن أحد حسابات "ملهين الرعيان"، تجاوز متابعينه المليون والعشرة ملايين. والفائدة للمتابع في الغالب (صفر). فلا يقدّم عدداً من المشاهير أي محتوى ثقافي. أو علمي أو حتى يتحلى بالأدب، فيشفع له محتواه. ويجيب على تساؤل مهم لماذا تتابعه. بل أن البعض منهم يتعمد الإساءة لمجتمعه باستخدامه لألفاظ، تعود بالعقل إلى حقبة طواها الزمن، وتجاوزها العلم. فلا تخدم المجتمع ولاتنقل صورة حضارية للعالم.
ملهين الرعيان اليوم يتشابهون في نظرتهم السطحية لواقعهم، ويكادون ينقلون صورة مشوهة للحاضر والماضي. وفي هذا عبث ثقافي كبير لايدركون أبعاده، لأنهم قفزوا على الإعلام وطارت بهم الشهرة. مما يثقل تقدم المجتمع وتجانسه مع المجتمعات حوله، عبر جره للوراء بافكار والفاظ وسلوكيات لاتعكس ما وصلنا إليه من تقدم وما وضعناه من رؤية ولا تتناسق مع صورة المستقبل الأجمل للمجتمع الواعي. وكثيرا ما نسمع عبارة "لاتجعلوا من الحمقى مشاهير" لندرك اننا بمتابعتنا لهم صنعناهم نجوما وبهم اصبحنا نهتدي.
ومع كل ما ندركه أو نقوله سيبقى الإعلام للأسف يتبع الإعلام التي يطرقها الهوى وليس الهوا.
بقلم الأستاذ : خلف العبدلي.