أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: شرع الله النكاح، وحرّم السفاح، وأناط بالوالدين حقوقاً ومسؤوليات شاقة، فكلفهما برعاية الأبناء وتربيتهم، وفطر قلوبهم على الحب والرحمة، والرأفة والشفقة، فجدير بالمرء أن يتذكر كم شقي والداه ليسعد، وكم نصبا كي يستريح، وكم سهرا لأجل أن يرقد، وكم جاعا لأجل أن يشبع، وكم عطشا لأجل أن يرتوي، وكم تجشما المخاوف ليطمئن.
وقد فرض الله مقابل ذلك برهما وصحبتهما، والإحسان إليهما، وخفض الجناح لهما، بل وقرن حقهما بحقه، ورضاهما برضاه، وسخطهما بسخطه، وجعل الجنة تحت أقدام الأمهات، قال تعالى ( وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ۖ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ).
ثم بيّن فضيلته أعظم الحقوق فقال: إن من أعظم الحقوق وأوجبها، وأجل القرب وأحبها، حق الوالدين والإحسان إليهما، وخفض جناح الذل لهما، والرحمة والرأفة بهما، وخاصة عند العجز والكبر، و لقد أوصى الله بالإحسان إلى الوالدين، وحث على صحبتهما بالمعروف ولو كانا كافرين.
وأضاف فضيلتهُ: برّ الوالدين يكون بصلتهما، وصدق المحبة لهما، والرفق بهما، والتوسع في الإحسان إليهما، وجبر خواطرهما، ومراعاة مشاعرهما، وضده الإساءة والعقوق، والتفريط فيهما وتضييع الحقوق، وأن رضى الله منوط برضا الوالدين، وسخط الله مقرون بسخط الوالدين، وقد قال صلى الله عليه وسلم: “رضى الرب في رضى الوالِد , وسخط الرب في سخط الوالِد”.
ونوّهَ فضيلة الشيخ عبدالله البعيجان على أنّ بِرَّ الوالدين من أعظمِ القُربات، وأجلّ الطاعات، ومن أحبّ الأعمالِ إلى الله تعالى، ومن أسبابِ رفعِ البلاء، وإجابةِ الدعاء
وأوضح فضيلة الدكتور البعيجان : بأن بر الوالدين لا ينقطع بموتهما، بل يستمر بالوفاء بعهدهما، وقضاء الدين عنهما، والصدقة والدعاء لهما، والإحسان والود ووصل صلتهما، فعن أبي أُسيد رضي الله عنه قال: بينما أنا جالس عند رسول الله إذ جاءه رجل من الأنصار فقال: يا رسول الله، هل بقي من بِرِّ أبوي شيء بعد موتهما أبرهما به. فقال: (نعم، خصالٌ أربعة: الصَّلاة عليهما ( أي الدعاء لهما) ، والإستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما، وإكرام صديقهما، وصلة الرَّحم التي لا رحم لك إلا من قبلهما، فهو الذي بقي عليك من برّهما بعد موتهما).
واختتم فضيلته الخطبة بالتشديد على أنّ عقوق الوالدين ذنبٌ عظيم، شؤمه وخيم، وعاقبته عذاب الجحيم، ولا يدخل الجنة عاق لوالديه، ولا ينظر الله إليه يوم القيامة، ولعن الله من عق والديه، فبر الوالدين حق يجب أداؤه، ودين يجب قضاؤه، وباب من أبواب الجنة، فلا تفرطوا فيه، ولا تستكثروا ما تبذلوا فيه، فهما سبب الوجود، والله تعالى يقول: (هل جزاء الإحسان إلا الإحسان).