أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي الشريف فضيلة الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف.
وبعد أن حمد الله تبارك في علاه استهل خطبته قائلاً: دين الله الذي ارتضاه للخليقة كلها أولها وآخرها هو الإسلام، جاء به النبيون جميعاً، وحمل لواءه الرسل كلهم، قال تعالى: (إن الدين عند الله الإسلام)، وهو إخلاص الوجه لله وحده، والتَّسليم له ربّاً مالكاً متصّرفاً وإلهاً معبوداً وحده دون سواه، وإقبال الأفئدة والألباب عليه، وهو الحنيفيةُ ملّةُ أبينا إبراهيم، (ثَّم أوحينَا إليك أن اتَّبع ملَّة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركينٌ)، وهو عقيدةٌ وشريعة، وعلمٌ وعمل، وظاهر يصدّقه الباطن، و«لا إله إلا الله» أساسه وأصلُه، وقُبَّة بنيانه التي بها كمالُه وجمالُه، وأولُه وآخره، وسببُه وغايتُه، ومعناها من لفظها بمنزلة الروح من الجسد، لا يُنتَفع بالجسد ُدوَن الروح، ولفظها دون معناها لا يغني عن صاحبها شيئاً، ومن قالها عالماً بمعناها، عاملاً بمقتضاها، مستوفياً حقوقها حقق التوحيد، وأصدق برهان من العبد على التوحيد، وأدل دليل على اختصاص الخالق بالتَّفريد، دعاءُ الله وحده دون سواه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله )
وأكمل فضيلته: وقد أمر الله نبيه أن يُعلن لقومه أن رسالته قائمة على توحيد الله في الدعاء (قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا)، ومن استكبر عن دعائه توَّعده الله بالنار والصّغار، قال عز وجل (إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين).
وأضاف: إن الإخلاص لله وحده في الدعاء علامةُ الإيمان، وبُرهان الإيقان، وحبل النجاة، ووسيلة الفوز والنجاح، وهو شعار الأنبياء والمؤمنين، فالداعي الموحد لربه في دعائه هو العابد الصادق، والعارف
المصيب طريق أشرف الحقائق، إذ الدعاء هو الركن الشديد الذي يأوي إليه المسلمون، والملاذ الآمن الذي يَعتَصم به المحتاجون، وإذا أخلص العبد دعاءه لله انبعثت جوارحه مصدِّقة، فخضعت لرِّبها وذلَّت، وتعلَّق القلبُ به في الملمات، و اللِّسان بدعائه في الكُربات والكروب والشدائد تعّرف العبد بربه وتأخذ بيده إلى الإخلاص في دعائه.
واختتم فضيلته الخطبة بقوله: الدعاء عبادة عزيزة بها يظهر الموحد من غيره، وهو من أيسر الأبواب على الشيطان لإفساد دين العباد، قال ابن القيم رحمه الله: (طلب الحوائج من الموتى، والاستغاثة بهم، والتوجه إليهم، أصل شرك العالم)، والمسلم يجمعُ قلبه وعبادتَه ومعاملتَه على ربه وحده، ويفرِّقُ في علمه وقصده وإرادته ومحبته بين الخالق والمخلوق، فيَعرفُ لكلٍ منهما حقه ومنزلتَه، ولا يجعل لأحدهما ما للآخر، فالرب له العبادة والدعاء، والخوف والرجاء، وصالح الخلق لهم المحبة والاتباع، وحفظُ الحرمة و ُحسن الثناء.