واستكمالاً لما سبق، فإن هناك من الغربيين ممن يبحثون عن دين آخر ينقذهم من ويلات العلمانية والمادية والالحادية، فلم يجدوا بداً من الإسلام بحسب ما ذكره الفيلسوف الفرنسي ريجيس دوبري في مؤلفه ( الأنوار التي تعمي ) أما الكاتب سميز فقد قال في كتابه ( الإسلام قوة الغد العالمية ) فبينما تزداد صورة البلاد الغربية تمزقاً بسبب السقوط في هوة الصراع السياسي والانحلال الخلقي يقترب الشرق الإسلامي من التوحد الذي ينادي به الإسلام على اعتباره قوة قائمة على أسس لا تتوافر في غيره من منارات القوى العالمية، ولذا وصفه المفكر برنارد شو: بأنه الدين الذي يستحق الاجلال والاحترام وأنه الأقوى في هضم كل المدنيات والخالد إلى الأبد، وهذا ما سبق إليه الإسلام قبل أربعة عشرة قرناً بقول الله تعالى( ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) يُشار ضمن هذا السياق إلى أن الغربيين قد استفادوا كثيراً من كنوز المسلمين في مجال العلوم الفلكية والهندسية والفلسفية والرياضيات والفنون والآداب وعلوم البحار، والعلم التجريبي الذي لم يسبق إليه أحداً غيرهم، وكذلك من إرثهم التاريخ العريق الذي وصل لكثير من بلدان العالم، كبلاد الأندلس (اسبانيا حالياً) في الوقت الذي كان الغربيون يعيشون طيلة عصورهم الوسطى في ظلام الجهل والخرافات والرق والعبودية والتعصب والهوس الديني والصراعات والانحطاط الفكري والثقافي والتمحور حول الذات، مُعبراً المفكر ليوبولد فايس بأنهم مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتهم في العلم والفن والصناعة وأن المسلمين كانوا مثالاً للكمال البشري بينما هم كانوا مثالاً للهمجية، وللمزيد اقرأ كتاب( شمس العرب تسطع على الغرب د. زيغريد هونكة) يقول الشيخ صالح الحصّين في(كتابه رؤى تأصيلية في طريق الحرية) يُخشى بسبب التأثير الطاغي للثقافة الغربية الذي يُسنده الانبهار بالتقدم المادي والتكنولوجي والمعرفي للغرب وسلطان الإعلام المسيطر أن يُصاب الضمير الخلقي الجمعي للأمة بتشوهات غير إسلامية إذا ما تسرب إليها بعض اتجاهات الثقافة الغربية كالنسبية الأخلاقية والميكافيلية والأنانية والتسليم بفكرة الصراع والمغالبة، والتي فيما نعتقد نحن بأن العولمة ستلعب دوراً كبيراً في هذا المنحى، لا سيما وأن الغربيون يتحكمون بما نسبته 90% مما تبثه وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والأخبار العالمية والأجهزة التقنية والتي غالباً ما يُسخرونها في تضخيم الأحداث التي لها صلة بالعرب والمسلمين لأجل اشغالهم وإشعال نار الفتنة في أوساطهم، وغرس بذور الحقد والكراهية في نفوسهم وجرهم للصراعات الفكرية والمذهبية والطائفية لتفرقتهم ومُحاولة القضاء على هويتهم الإسلامية من منطلق أيدولوجيات بغيضة يهدفون لتحقيقها، فالحضارة إذاً ليست هي مجرد ارتداء ملابس بموضات وماركات عالمية أو امتلاك سيارات فارهة وأجهزة تقنية ذكية أو عمارات شاهقة الإرتفاع وحياة تتسم بالرفاهية المبتذلة والحرية المطلقة دونما ضابط أخلاقي، وإنما هي تُمثل في جوهرها العام والشامل سمو الأخلاق التي تحفظ للإنسان كرامته وتكفل له كامل حقوقه وتُهيئ له فرص تلقي العلوم النافعة والبحث عن لقمة العيش الهانئة وتحفزه على الإبداع والابتكار والاكتشافات العلمية في إطار من الود والتآلف والاحترام والتسامح والتشاور والتحاور والتعاون وتبادل التجارب والخبرات عوضاً عن الأمن والاستقرار والطمأنينة وراحة البال، وغير ذلك من سُبل التطور والتقدم الإنساني في كافة مجالات الحياة، يقول المفكر الألماني ومؤرخ الحضارات( البرت أشفيتسر) لما بحثت في ماهية الحضارة وطبيعتها تبين لي في نهاية المطاف بأنها أخلاق، وهذا ديدن الحضارة الإسلامية منذ نشأتها والتي تميزت به عن غيرها من الحضارات الأخرى طالما جعلت من الأخلاق وقيمه المنبثقة من أساس عقيدة التوحيد الخالصة لله تعالى ورفضها لكل معاني الاكراه والاستكبار والتسلط والاستيلاء على حقوق الآخرين دونما حق مشروع، نبراساً تنطلق منه في الآفاق، فكان النجاح حليفها وبالتالي لاجرم وهي تمتد إلى مشارق الأرض ومغاربها، لذلك ما أحوج أبناء أمة الإسلام لاستعادة حضارتهم وهي على هذا النحو المشرّف، وإلى كل ما يُعزز وحدتهم وتعاونهم المثمر في تقدم أوطانهم من خلال الاستزادة العلمية والأدبية والمعرفية والثقافية والاستفادة من خبرات وتجارب الشعوب المتطورة، واستثمار الطاقات والكفاءات العلمية المتدربة، والاهتمام بالنابغين والموهوبين والمبدعين والمبتكرين والمكتشفين ورعايتهم وتشجيعهم وتعميق روح الوطنية المخلصة في نفوسهم للمحافظة على أوطانهم والدفاع عنها بكل الطرق والوسائل المتاحة وتوفير ما يلزمهم من امكانات مادية ومعنوية تساعدهم على العمل والعطاء والإنتاج الذي يخدم مجتمعهم ووطنهم على حد سواء، بالإضافة لتجاوز كل الصعاب والمعوقات والتحديات وبواعث الكسل والتواكل وعدم الثقة بالنفس واليأس والقنوط الذي يحول دون تحقيق هذه الأهداف النبيلة، وأن يعتزوا بدينهم الإسلامي الحنيف الذي من تمسك به فاز بجنات الخلد بعد رحمة الله تعالى ومن أعرض عنه كان مصيره نار جهنم والعياذ بالله، فضلاً عن قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم، كما يحرص عليه الغربيون أنفسهم، وأن يعوا ويدركوا ما يُحاك لهم من مخططات دولية لتحقيق ما يتطلعون إليها من أهداف سيئة، وأن يكونوا قدوة حسنة ورُسل سلام لغيرهم من الديانات الأخرى، فلربما يكونوا سبباً في دخولهم الإسلام كما في الحديث: فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمر النعم، ولعلنا نختم مقالنا هذا بمقولة الفيلسوف الفرنسي غوستاف لوبون المقتضبة( إذا أمعنا النظر في أسباب سقوط جميع الأمم التي يذكرها التاريخ بلا استثناء وجدنا بأن العامل القوي في انحلالها ترجع علته إلى انحطاط الخلق ) والله هو الهادي إلى سواء السبيل.
- الفائزون بجوائز المسؤولية الاجتماعية للأندية للموسم 2023-2024.. “ماجد عبدالله” و”الهلال” في المركز الأول
- جدة تستضيف أول حدث دولي للكريكيت.. مزاد اللاعبين لبطولة الدوري الهندي الممتاز للعام 2025
- “هيئة العناية بالحرمين” تثري تجربة الطفل الروحانية بالمسجد الحرام
- نهج تعاوني.. “الصحي السعودي” يوضح المقصود بمفهوم “الصحة الواحدة”
- البنك المركزي السعودي يرخص لشركة “بوابة العملات للصرافة”
- أمين منطقة القصيم يستقبل الرئيس التنفيذي للمؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام ” إخاء”
- “الرياضة أفضل شي”.. حملة وطنية لتعزيز نمط الحياة الصحي بمشاركة مجتمعية واسعة
- “صيد واستغلال رواسب وإشعال نيران”.. ضبط 24 مخالفًا لنظام البيئة خلال أسبوع
- علاج التشوهات الخلقية.. كيف تحدّ “وثيقة الضمان الصحي” من مضاعفات الأمراض؟
- توقعات بتحركات إدارة ترامب ضد الحوثيين وإعادة تصنيفهم كمنظمة إرهابية
- “السياحة المصرية” تحذر: الحج بدون “تأشيرة مخصصة” يمنع استرداد الحقوق
- مفاضلة وتقديم ومقابلة.. “التعليم” تجيب على الأسئلة الشائعة عن برنامج “فرص” الجديد
- وداعاً للأرق.. حيلة غريبة تعيدك للنوم بعمق
- “الأرصاد” في تحديث جديد: انخفاض تدريجي في درجات الحرارة الصغرى
- الأردن : مقتل مسلح وإصابة 3 رجال أمن
06/09/2022 9:43 م
عبد الفتاح أحمد الريس
0
271351
(0)(1)
وصلة دائمة لهذا المحتوى : https://www.adwaalwatan.com/articles/3518925/