اذا كان القول كريمًا فالمعنى السامي كل الكرم فمهما كان للغة من مكانة رأقية عند الانسان فلن تكون ولن تستقيم من دون معنى ساميًا وشريف فالمعنى يمنحها قالبًا لغويًا فخم تصغي وتنصت له الأسماع وتندهش له العقول الواعية ويؤثر بها فإذا تطابق ما هو مطبوعًا بالنفس من معنىً وجيه وجليل مع قولًا جميل وقُرن بالأدب والأخلاق فهنا تتم وتكتمل العفوية الإنسانية الواعية والجرأة المقبولة والطرح المرغوب ولابد ان يقابل ذلك فهمًا واعيًا لاستنتاج المعنى العميق والصحيح ليصل من النفس للنفس فالرسائل المتلقاه مهما كانت تحوي وتحمل من معلومات صادقة واهداف ثمينة سوف تتاثر بفهم المتلقي أكثر مما تحتويه وما تحمله وقد يتغير فهم المعنى لكن المعنى نفسه لا يتغير حتى لو تغيرت اللغة فالفهم هو محصلة أو ناتج عدة عمليات ذهنية عديدة ورغم ان الفهم يبدوا سهلًا ومألوفا الا انه حالة يصعب الوصول لها وهناك أمورًا نعتقد أننا نفهمها ولكن عندما يطلب منا أثبات ذلك يتضح لنا الفرق بين الفهم واعتقاد الفهم فكما كان يُعتقد ان الأشياء اذا أطلقت من الاعلاء سوف تسقط للاسفل وكان ذلك يعتبر امراً مألوفًا لا يستحق التفكير لانه بكل بساطة لا يوجد ما يمنعها من السقوط لكن عندما أكتشف نيوتن قانون الجاذبية نسف ذلك كله فالفهم الحقيقي ينبع من داخل الذات ولا يأتي من خارجها وإذا أتى من خارج الذات سوف يكون فهمًا منسوخًا فالعقل الإنساني في كل عملياته لا يقبل النسخ ورغم تشكله وتكيفه الا إنه يبقى منظومة وأحدة تتكامل مع بعضها وتتعامل بمنتهى الدقة وتتماسك بين دهاليز الأفكار والمشاعر المتغيرة والمتعاقبة والاتجاهات المتخالفة ومما يعضده في ضبط ما يدور داخله وحوله وفي محيطه، الوعي الذي من خلاله ندرك إدراكنا ونشعر بشعورنا ونفكر بتفكيرنا ونفهم فهمنا ونتحلى بالعقلانية ونستطيع التجرد من التلبس بافكار مسبقة تميل لمصالح خاصة فالتجرد لا يتعارض مع تحقيق ألاهداف والمصالح بل يتناهى بنتيجة واضحة ومرضية تدعم الاستمرار والبقاء والنزاهة.
فإذا كان الإنسان فعلًا إجتماعيا بطبعه ويدرك بإنه لا يستطيع العيش لوحده لماذا يعتبر هـؤلاء الذين لا يستطيع العيش بدونهم أنهم مصنعًا للعثرات في سبيله ومصدرًا لخيبات الأمل فهناك خلل في المعنى فالمجتمع الإنساني صالحًا لا يمكن ان يتفقون على وضع العوائق والعثرات في طريق الناس الصالحين ، رغم مصداقية القول بأن هناك أفراد هم سببًا ببعض المشاكل والعثرات ويستمتعون عندما يتسببون بإصابة غيرهم بخيبة أمل سواءً بوعي أو بدون وعي لكن هذا لا ينطوي على الكل او لا يجوز ان نختزل المجتمع بهؤلاء فالمؤكد ان الذكاء الجمعي أقوى من الذكاء الفردي وإن العلاقات الإنسانية تفيد وتدعم حياةً الفرد والمجتمع وتثريها وتقودها نحو أكتشاف الأفضل إذا تم أدارتها وقيادتها بطرق فريدة وبارعة . فأعتقد ان الإشكالية هي في غياب الفهم والمعنى وغياب التعددية وسيطرة ألاُحادية ومحاولة استعادة ثقة الناس بدلًا من الثقة بالنفس أو العيش بالمثالية المقلدة التي تنافي الواقع الإنساني وتؤدي لتورم النفوس وتثاقلها وتصدعها وبالطبع سوف تعيش في الواقع الحقيقي لكنها غير حقيقية وينتج عن ذلك البقاء في سرمدية اللاوعي وفرضه على الذات وتكريسها وفهرستها حسبه فالحالات الذهنية منذ القدم حتى الآن وهي موجبة الاهتمام الا أنها وجدت في القرن الواحد والعشرين وفي العصر الحالي اهتمامًا غير مسبوق باعتبارها مكامن القوة وباعث الطاقة الإيجابية في تحسين جودة حياة الشعوب والعالم وأصبح يزداد الاهتمام بها وتنميتها والبحث عن القدرات الذهنية عالية المستوى.
وهذا لا يلهينا أو ينسينا وجود الشواذ الذين أن كثروا أو قلوا فسيبقون حالات شاذة لأنهم يعيشون وفقًا لسلوكيات حيوانيةً ينتصر فيها الحيوان على العقل الإنساني وحياتهم افتراس تسيطر عليها وطأة الشراسة والارتجال والعشوائية والاهتمام بالفهم الشكلي والردود الشكلية والعلم والعمل الشكلي.
يقال أن الشخص المبدع يرى عشرة أشياء بينما يرى الشخص العادي شيئًا واحد.