* ولا سيرة للناس في أيامنا هذه؛ إلا طريق الهدا وجبل كرا.. الطريق زحمة، وجبل كرا مقفل. هكذا في أحايين كثيرة، إذا ما دنّت سحابة صيفية أو شتوية، تم قفل طريق جبل كرا احترازًا حتى لا تسقط الصخور على العابرين للطريق، وإذا بدأت إجازة المدارس؛ أو جاء آخر الأسبوع، وحتى في أيام الحج والعمرة؛ يزدحم جبل كرا بالسيارات، وتقف الحركة في مرات عدة إلى ساعة ونصف، وطريق السيل الطويل؛ غير كاف على ما يبدو، ولا يحل محل طريق جبل كرا التاريخي. هذه هي المشكلة. فما الحل يا ترى..؟
* تعالوا بداية نعيش تاريخ هذا الجبل الشامخ، وقصة فتحه قبل ستين عامًا. في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الهجري الفارط؛ كان الملك فيصل بن عبد العزيز رحمه الله- وهو آنذاك نائبًا لوالده على الحجاز؛ ثم أميرًا عليها- كان يتردد على جبل كرا.. الجبل العظيم الذي كان يشكل حاجزًا بين مكة المكرمة والطائف. كان - رحمه الله- يأتي إلى قمة الجبل من الطائف، ويقف متأملًا جبروته، ويأتي إليه من جهة نعمان إلى الكر، فيتطلع إلى قمته، وهو يبحث عن طريقة تكسر عنفوانه، وتهزم جبروته، وتحيله من جبل أشم، إلى سهل وطريق للعبور، كيف لا؛ وهذا وصف هذا الجبل عند الشاعر الكبير (أحمد بن إبراهيم الغزاوي) رحمه الله:
كأن (كَراء) في عتوِّ (سنامه)
على (هامه) الأفلاك تجري وتلهث
كأن روابي الأرض نيطت جميعها
إلى سفحه! وهو الإباء المورّث
* ما إن رأس رحمه الله جلسة لرئاسة مجلس الوزراء في عهد (الملك سعود) رحمه الله؛ حتى طُرحت فكرة شق طريق عبر جبل كرا على أعضاء المجلس للنقاش. كان عدد الوزراء في جلسة الحسم هذه؛ أربعة عشر وزيرًا، اختار سبعة منهم التصويت بالموافقة، واختار سبعة آخرون التصويت بعدم الموافقة، ثم جاء صوت رئيس المجلس- فيصل بن عبد العزيز- مرجحًا بالموافقة، ليتم العرض على جلالة (الملك سعود)- رحمه الله- الذي باركها. هذه الرواية؛ سمعتها من معالي (الشيخ عبدالله بن عدوان)- رحمه الله- وزير المالية في تلك الفترة. سمعتها منه مرة في دار معالي (فهد بن عبدالعزيز بن معمّر)، ومرة بداره هو في حي قروى بالطائف. بدأ العمل بالمشروع العملاق؛ في النصف الثاني من السبعينيات الهجرية، وتشاء الصدف؛ أن يكون افتتاح المشروع؛ على يد صاحب الفكرة ومهندسها ومرجح فكرتها في مجلس الوزراء، ملك المملكة العربية السعودية آنذاك، (الملك فيصل بن عبد العزيز) عام 1385هـ.
* فكرة تذليل جبل كرا الطود العظيم، وتحويله من عقبة كأداء؛ إلى ممر عبور بين عاصمتين- دينية وصيفية- فكرة نهضوية وعبقرية، ومشروع فريد وجبار قلّ نظيره في المنطقة، يحسب للدولة السعودية، التي ظلت تسعى لخدمة أبنائها على كافة الميادين، وتذلل كافة الصعاب أمام حركتهم بين مناطقهم ومدنهم، وتيسّر على الحجاج والمعتمرين، سبل الوصول إلى الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
* نهض طريق جبل كرا طيلة 58 عامًا، بدور بارز في الحركة بين مكة والطائف؛ التي هي بوابة الحرمين الشرقية، وخضع أكثر من مرة؛ لعمليات توسعة كبيرة، جاءت مكملة لدوره في تسهيل الحركة واختصار المسافة والوقت بين مكة والطائف، إلا أن عمليات التكسير والتفجير الأخيرة في جسم الجبل، أصابته بالرخاوة والهشاشة- هشاشة الصخر- وظهرت صخوره في أماكنها العلوية، وكأنها تتحفز للسقوط بشكل دائم، حتى إذا جاءت الأمطار، وسالت شعاب الجبل، سحبت معها أرتالاً من الحجارة والأتربة، وشكلت خطورة بالغة على حياة الناس والمارة، وإذا لم تكن هناك طريقة ناجعة للتثبيت، فإن الخطر سيظل قائمًا، وأصبحنا نشهد وقفًا للحركة على طريق جبل كرا، كلما تعرض للأمطار، وقد يتعرض المارة لخسائر بشرية ومادية فادحة.
* ليس من حل جذري لهذه المعضلة، إلا الإسراع بشق النفق المقترح بين الطائف والكُرّ تحت جبل كرا والهدا.. لا يزيد طول هذا النفق على 13 كم، وهو يقلص المسافة بين مكة المكرمة والطائف من 86 كيلاً إلى 46 كيلاً، ويختصر الزمن من ساعة إلى نصف ساعة تقريبًا، ويقرب بين العاصمة الدينية مكة، والعاصمة الصيفية الطائف، لتصبحا في منطقة حضرية واحدة تقريباً، ويتحول طريق جبل كرا، إلى طريق سياحي لمنتجع الهدا، الذي هو اليوم بمثابة مدينة رديفة للطائف.
* إن الدولة رعاها الله؛ هي الوحيدة القادرة على تبني هذا المشروع الرائد في هذا الوقت، فالحاجة ماسة لشق هذا النفق، الذي لا يقل قيمة وأهمية عن مشروع فتح طريق جبل كرا قبل ستة عقود، والأمل معقود بمشيئة الله؛ بسمو محافظ الطائف الأمير (سعود بن نهار بن سعود)، وبـ(هيئة تطوير الطائف)، حتى نردد من جديد في فرح وحبور؛ مع صوت الأرض المرحوم الفنان الكبير: (طلال مداح) مع تحوير بسيط من عندي:
جينا (إلى) الطائف.. والطائف رخا
والساقية تسقي يا سما سما
ونردد كذلك من شعر سمو (الأمير الشاعر عبدالله الفيصل) رحمه الله، مع تحوير بسيط آخر من عندي كذلك:
اشتقت لـ(الطائف) وانا توني جاي
الله يساعدني على حرّ شوقي
يا للي تريد ادواي في (الطائف) ادواي
رح بـي لعله ينطلق فيه عوقي