حالةٌ من التَّبَنِّي للمقروءِ تشغلُ ذهنيةَ القارئِ، في مسارِ خريطتِه الإدراكيةِ الأولى للنَّتاج الثقافيِّ الذي يعتامُه في طريقِه لبلورةِ مشروعِ الفهمِ لكلِّ قضايا المجتمع، هذا الارتباك أعتقدُ أنَّه طبيعيٌّ إذا ما تنازعتْه هذه الأطاريحُ المُتعدِّدةُ، و هو حالةٌ صحيِّةٌ بشرطِ أن يُكمِلَ الطريقَ
ولا يتوقَّف حتى لا يُصبح من أشباه المثقَّفين أو المُتعالِمين الذين يُسمِّمونَ المشهدَ ولا يُعالِجون أيَّ قضيةٍ تظهرُ على السطحِ ولا يتَتَبَّعون عُمْقَها و لا يعرفون جذورَها ليتَسنَّى لهم وضعَ طريقةٍ للتعامل معها بَلْه حلَّها.
المجالُ رحبٌ و مُمَتدٌّ ويفيضُ بانتكاساتِ الواقِع التي لا تنتهي، و أول الأمور التي يرتادُها المُريدُ للمنهجيَّة المعرِفية هو الانطلاق من وسطه الدِّيني الإيماني و يرتكز على مدد من هذا الوسط حتى لا يذوب في هذه التيارات المُختلفةِ في أهدافِها و صدْقِ إيمانِها بِما تُبشِّر به.
الانطلاقةُ لا تأتي في سنوات التكوين بل دونها طريقٌ مَخُوفٌ-أو مخوفة كما يجوز الوجهان في تذكير وتأنيث الطريق- ومضنٍ كُلُّه مزالق، ومسارات مُتعرِّجة ووعرة المسالك.
وما تهيأتِ المطالعةُ إلا لِتعيد النظر في مفاهيم تشرَّبتها العقولُ دونما إدراكٍ لتِبْعتِها وعواقِبِها المرهِقة، فكيف بها تُكرِّسُ لظاهرة الجمود والاتِّباع؟!، وهذا عند أهل النظر من أعجب العجب! وكأنَّها كما قال صاحبُ المُدام:
دعْ عنك لومي فإنَّ اللَّوْمَ إغراءُ
وداوني بالتي كانت هي الدَّاءُ
ولكنَّ المعرفةَ تتداوى ببعضها البعض، لا كما يتداوى صاحبُ الخمرِ بالخمرِ، بل كثرة الاطِّلاع تؤدي إلى اتِّساع المدارك وانفراج المضايق وبهذا تتبدَّى للنَّاظر ثمراتِ العقول فيجنيها مُقبلاً مُدْبِراً، حتى يتعاظم ركامٌ من المعارف ويتولّى العقلُ الإنسانيُّ هضْمَها ويتمثلُها خلاصةً ناجعة في مداواة أسقامِ الفِكر وأدواءِ النَّفس.