من الصعب التخلي عن الماضي وإنجازاته وذكرياته ومن الضياع التوقف عنده والاكتفاء به وترك العمل الاني (هنا والان ) فالصفات الإنسانية الجميلة والمفاهيم الصحيحة والقيم الإنسانية تؤكد ذلك وديننا يدعُ أيضًا لذلك من خلال السعي للكمال وعدم الاكتفاء بحد معين من الإنجازات. وللتوضيح فان الإسلام دين ونظام حياة كامل للمسلم وحتى لغير المسلم واحتمالية ورود الخطاء به صفر بالمئة ، لكن البعض بسبب التوقف الذهني وقع بفخ جهازه المفاهيمي مما يجعله يخطىء في توظيف المعاني والمقاصد في غير مكانها الصحيح مثل قول الكمال لله وهذا الكمال الإلهي كمال مطلق لا شك ولا يقبل النقاش فيه . أو الذهاب لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي معناه أن الإنسان لا يقنع ولا يكتفي فكل ما سبق مميزات إعطاءها الله للإنسان ومعاني جميلة ومفاهيم إنسانية راقية توصل الإنسان لمعنى الإنسانية الحقيقية وهي صفات مدح للإنسان وليس كدح ولا يصح استخدامها كمصطلحات للتثبيط أو الاعذار وجبر الخواطر وتبرير حالات الجهل والنقص والقصور ،ولو افترضنا إقتناع أو اكتفاء الإنسان بما حصل عليه وحس بالوصول للكمال لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم من تقدم في الحياة الإنسانية والعلمية والعملية من طب وإقتصاد ورقمنة وفي جميع المجالات وسوف تصبح قديمةً ويظهر لنا جديد أيضا ،فيبقى الكمال وحب المزيدًا من الخير مطلب للإنسان لن يصل لنهايته وهذا معنى يحث على السعي والإنجاز والمثابرة وعدم التوقف .
ومما يؤسفني توقف الزمن ذهنيًا لدى فئات ممن يسهموا بتشكل العقل الجمعي لأن في الحقيقة لا أحدٍ يستطيع إيقاف العالم أو الزمن فعلياً حتى ولو جزء من الميكرو ثانية إلا خالقه فالأمر ذهنيًا في مخيلتك فقط ولا يتجاوز ذلك ، فالتغيير سمة الحياة فكل شيءٍ لا يتغير أو لا يتحسن ولا يتطور يتلف ويتهالك ماعدا الله سبحانه وتعالى فالعمليات الذهنية شانها كشأن غيرها تتعرض للتقادم والتهالك وأضف لذلك أنها منبع كل شيء سوا تقدم وتطور أو تخلف وإنحدار، وهذا يدل على أهمية الحالة الذهنية والنفسية ويقودنا أيضا لتصحيح الأفكار والمفاهيم المغلوطة ،وإلا سوف تتدهور الحالة بأكملها. وتصبح بحاجة لذهن الغير والحاجة لذهن الغير تختلف عن الحاجة للغير وهناك فارق كبير بينهما فالأخيرة ضرورة والأولى خطورة، فالمتوقف ذهنيًا يعيش فيما قبل ثلاثين سنة من تاريخ كتابة هذا المقال وبعضهم ربما يعيش في زمن قبل ميلاده بقرون، فالتوقف الذهني هو عيش الحياة بالشكل من دون المعنى وغياب روح الحياة وإبقاء الذهن في حالة ثبات لا في حالة تطور وتجدد مستمر، ومن اضراره واعراضه الاهتمام بالشكل من دون احترام المعنى وعدم القدرة على التوافق والإنسجام مع تغيرات الزمان والمكان والدور والقيمة والتعايش بين المجتمع بكافة أطيافه وعدم القدرة على العيش بسلام داخلي وحب وسعادة وعدم القدرة على الثناء وإظهار الاخلاق وعدم القدرة على رؤية الجمال وسلبه معناه أيضا توقف التدفق اللغوي والجمود الفكري وتضييق المساحات رغم شساعتها إلا أنهم لا يرون إلا المساحات المحجوزة فقط والتوجس والخوف من ظهور كل ماهو جديد ومقته لأنه لايستطيع إعطاء هذا الجديد مفهوم صحيح ومناسب بسبب توقف إمداداته اللغوية والفكرية والمفاهيمية وتحجيم اعمال العقل، والنظر للأمور ولكل حدث أو موقف بمنظار أو معيار سابق وقديم ويصدر أحكامًا ومؤشرات سالبة وبعدم صلاحيتها ولن يجد شيئا صالحًا لأن المعيار نفسه أصبح غير صالح ، فلا تستطيع إقناعهم لاخراجهم من هذا المأزق فقد تمكنت منهم سطوة العيش الماضي وتسببت بتدفق وهمًا ذهنيًا يجعلهم يهملون أنفسهم ويصغون للوهم فهم يحتاجون مزيداً من الوقت لكي يتقدموا وأحد سنتمتر وربما تكلفة تقدمهم أكثر من فائدته والوقت لا ينتظر ولا يستشير أحد هل هو جاهز أم لا ؟
مع ان هناك ممن حققوا تقدمًا واضحًا في الفكر واستشعار المجهول وصناعة الرؤى وسبقوا الزمن بتحديد الغايات وهؤلاء انقذوا المجتمعات من الانغلاق والأوحدية ،وما يميزهم أهدافهم لن ولم تكن شخصية أبدًا بل لصالح العام ولو كان العدد قلة لكن حدود الأثر أبعد من حدود العدد وفي مقدمتهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وصاحب السمو الملكي وولي العهد الأمير محمد بن سلمان حفظهما الله فهم الداعم الأول والقوي للتغيير ونشر ثقافة الوعي الجمعي ويدركون بان كلما كانت نسبة الوعي المجتمعي مرتفعة أسهم ذلك بتقدم الدولة ويريدون بناء الوطن على أيدي أبناء الوطن، فالدول تقاس بتقدم مجتمعاتها لأن الوعي الجمعي يلغي وجود المشكلات الزائفة والوهمية والمفتعلة ويهتم بالمشكلات الحقيقية وتصدوا لكبار هؤلاء الذين يقصدون ويتعمدون ذلك ويروجون للغفلة والوهم الذهني فالدولةً نفسها لم تتوقف عن تحسين جميع أنظمتها الموجهة للداخل والخارج وباستمرار مع مالها من مكانة وسيادة فلن تتوقف ولن تكتفي بما حصلت عليه وهذا مسموع ومشاهد على أرض الواقع. فما دامت الحياة مستمرة فالتغيير مستمر ومن يتوقف بالبطع لن يتقدم ، ومع ذلك هناك محاولات من المتوقفين ذهنيًا لإقحام وعسف الفكر وادلجته للتصديق بإن العالم يسير للخلف وليس للأمام ، فالسير للأمام معناه تجاوز مرحلة واعتبارها من الماضي والدخول في مرحلة جديدة وحالية والسعي لانهائها وجعلها أيضا من الماضي والتنبؤ والاستشعار مراحل المستقبل وإلا كيف عرفنا اننا نسير للأمام فربما تسير وأنت مكانك.
المهم أن الكثير قد تجاوز مراحل عديدة بنجاح من الطفولة وصولًا إلى إنهاء الدراسة وحتى الحصول على وظيفة وتكوين أسرة وهذه مراحل لا يستهان بها وإنجازات مهمة وقاعدة ضرورية لبدء المسيرة واكمالها .
وهؤلاء هم الموجه لهم المقال وهي الفئة العمرية مابعد 25 سنة رجالًا ونساء وما أعنيه أن لا يقعوا في فخ الخطاء (وضع الشيء في غير موضعه ) لأن التوقف الذهني دائمًا يأتي بعد هذه المرحلة وليس قبلها بحكم السن والتشكل والاحتواء الأسري .
فالحقبة القادمة تعتبر نقطة تحول ونقلة نوعية ومختلفة عن المراحل السابقة فكانوا يسيرون للأمام كأي إنسان عادي إما القادم تعتمد في الأساس وقبل كل شيءٍ على الحالة الذهنية والنفسية ،فإما تجاوزتها بنجاح أو بقيت بمتاهة داخلها أو هي تجازوتك فالنجاحات السابقة تعتبر رصيد غير متاح وحساب مغلق ويلزم فتح حساب نشط وتفعيله برصيد جديد صحيح وسليم ومناسب لعصرك وكم من طريقة أثبتت نجاحها ثم فشلت بسبب أستخدامها كوصفة نجاح ثابتة ومعتمدة للجميع وعلى مر العصور .
فأسلوب الحياة وانماطها تتغير والتغيير دائماً للأفضل وليست للأسواء والبقاء على حالة ذهنية كانت جيدة هو من يحولك لتكوين مستقبلًا غير جيد .
والبقاء غريزة فالنفوس لكن لابد من التفريق بين غريزة البقاء الحيواني وغريزة البقاء الإنساني المتزن والمستدام والحيوي المتجدد ، فالمراحل والفرص لا نهاية لها وكذلك العوائق فهي أسراب متتالية فلا تدع الفرص تضيع ولا تجعل العوائق عذرًا لك بل أغتنم الفرص واصعد فوق العوائق وأرقى واسمو بنفسك عنها .
فالأهداف الواضحة تنطلق من مبدأ واضح ومن مظلات وتصورات كبرى فتحديد الهدف لابد أن يكون في أعلى درجة من الدقة الممكنة ،ثم حدد الوجهة والمقصد واجعل القيم الإنسانية والدينية والوطنية معيارًا لمسارك، فنحن لدينا مظلة يستطيع الجميع الانطلاق منها والعمل عليها ولأجلها وهي رؤية المملكة 2030 فإني أراها فرصة عظيمة لكل حالم وواعي ومتاحة للجميع بشرط يكون واعيًا بادراكاته الذاتية لذاته وما هو خارج ذاته ،فالإنسان منحه الله الحرية وإرادة الاختيار ليتمكن من إدارة نفسه بنفسه وهذه قدرة عظيمة وحرية الفكر والتفكر ضمنها الله لك بل يدعو إليها، فالانطلاق من المظلات الكبرى لا يعني إنكار أو إلغاء التفكير الفردي فلا انا ولا غيري يستطيع إلغاء القدرات الفردية وهي أساس نجاح التنظيم الجمعي لكن يجب أن تحرص على أن هذه القدرات الفردية صحيحة وسليمة وتحقق لك أهدفك وانك تستطيع تنفيذها وانها تسهم بتقديم خدمة أو تحل مشكلة قائمة وبالتالي تدعم التنمية الوطنية بكافة برامجها فسوف تجد النجاح والفلاح بإذن الله وتوفيقه، فالرغبات لوحدها لا تحقق شيئا وتأكد أنك لن تحصل على شيءٍ دون عمل شيئًا آخر ولن يحدث تغييرًا بالصدفة أو بدون أرادة اختيار مسبقة وانظر للواقع كما هو وبموضوعية فالنظرة الموضوعية تقول أن الواقع الحاضر ليس معداً لك خصيصًا أو من اجلك فقط ولكنه ليس ضدك بل بحاجة إليك فعليك أخذ هذا والعمل بمقتضاه . وهي الطريقة الأفضل للبقاء مدى الحياة بسعادة وسلام داخلي والاستمتاع باللحظة حتى آخر لحظة وفي النهاية لا تكون ممن يبحث عن الأخطاء ليسيء لغيره أو يجعلها أعذارًا لتقاعسه وفشله.
بقلم:محمد بن سويد الرشيدي