استمطرت سحابة أفكاري عندما أطلقت عليها صاروخًا آمناً يحمل منطاداًعلقت عليه عَلَم بلادي( السعودية العظمى) تنبعث منه أضواء وأطياف العيد السعيد ليرسم لوحة جميلة في الفضاء مكتوبًا عليها (عيدكم مبارك) فضحك الكون مبتهجًا بقدوم عيد أهل الإسلام بعد أن أودعنا خزائن الأعمال الصالحةوالمكاسب الرمضانية الرابحة لتطوى في صحائف أعمالنا لنراها في كتاب لايغادرصغيرةً ولاكبيرةً إلاّ أحصاها فمن وجد خيراً فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومنَّ إلاّ نفسه .
فسألت قلمي وقد رشف من محبرتي المملؤة بشربات العيد ،فاستنهضت قلمي لينتصب على سطور مقالي فأراه تارةً مبتسماً وتارة ضاحكاً يستحثني على الإسراع فشارطُّهُ على الإبداع والإمتاع فأخذ يتعطف بين أناملي يريدأن يقطع قيده ويهرب مني كهروب السجين من زنزانته فتصالحت معه فهمس في أذني أنه يريد أن يخرج للسوق فالعيد لاحت بوارقه
فبدأ قلمي يسرع فوق السطور
وبدأ يلهث ليقف تارة ويكبو تاره
فأرخى سمعه ليسمع مفرقعات العيد صاعدة نحوالفضاء فرَبّتُّ بِإِبهامي وسبابتي والوسطى على ظهره لاِأُسكِنْ طيشه، فانتفشت ريشته بكيرياءالطاووس
ووعدته أَن اجعله يوم عيده ثاني عِطْفِه يتبختر مع أترابه بملابس جديدة وإكسسوارات عديدة من غيرإِسراف ولامخِيْلةٍ فالله جميل يحب الجمال فأعجبه حديثي !!!
فقلت له سأحدثك عن العيد القديم في قريتي الواقعة في (رُبى زهران) قبل خمسين عاماً
فقال لي ليتك تأخذني لنقف على رباها ونرى أطلالها إن بقي فيها أطلال فليس الخبركالمعاينة واني قلم رقيق ينتابني البكاءفسامحني فلا أريد أن أفسد عليك فرحة العيد
فقلت له انه كان لي فيها أصحاب وأحباب جمعتنا بهم أعياد وأعياد ولم أشاهدهم منذُ عشرات السنين فاعتلينا شرفاتها لنرى ما تبقى من رفاتها
فتنهد قلمي هنيهة فبدأ يخاطبها بنبرة حزينة ترقرقت فيها الدموع
فقال:- أيها الراحلون عن دنيانا الزائلة مررت بدوركم واخذتني رعدةً هزت كياني وسَرَتْ في اعصابي كما تسري الكهرباء في أسلاكها والنجوم في أفلاكها ، فلا تكاد تسمع للقوم همساً ،تهدمت مساكنكم كتهدُّم ابدانكم وسنينكم كأنها لم تغن بالأمس
فهي خاوية على عروشها،
وصدق الله ومن أصدق من الله قيلاً
﴿وَلَقَد جِئتُمونا فُرادى كَما خَلَقناكُم أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكتُم ما خَوَّلناكُم وَراءَ ظُهورِكُم [الأنعام: ٩٤]
فلا صياح الديك يطربنا ولا اصوات دوابكم وبكاء اطفالكم يؤنسنا ولا نقوش
جدركم يدهشنا فلا نرى إلا رمس التراب وخرابٌ فوقه خراب
سكنت الجن بيوتكم بعد أن كانت تنفر من دوي آذانكم واذكاركم وتلاوة آيْ ربكم، فقلت كفى يا قلمي فالعيد كالربيع يُقْبِلُ ضاحكا مستبشرا ينثرنسمة بتلات أزهاره ومياسمه الفواحة وحُلّته الجميله وأوراقه الوارفة لتبدد كل مآسي وأحزان الدهر فتوقف قلمي عن الوصف الحزين
فقلت له الا ترخي سمعك لأحدثك
عن عيدٍعاصرته قداندثرت طقوسه وغابت شموسه فتبسم ضاحكاً فقلت
أمًّا ليل عيدنا فقد سكب في قلوبنا من الهدوء احلاه ومن الفرح أعلاه
فقريتي جبالها كالطود العظيم قد أحاطت ببيوتاتها الجميلة فمدت اذرعها إليها تحنو عليه كما تحنو الأم على وليدها فوق ذراعيها
أما طبيعة قريتي فكانت دوحة خضراء كأنَّ الربيع الضاحك لايكاد ينفك عنها
أينما تسرح طرفك لا يصطدم الا بطبيعة ساحرة وحقول وارفة وثمار دانية ،
قد انسابت مياهها داخل (الدحول) من أعلى الوادي إلى أدناه ،
والآبارممتلئة بماءٍ زلال يرِدْن عليها الحسناوات فيملأ ن منها القِربْ
في حشمةٍ وأَدَب .
امّا ليلة العيد فقد تهيأنا لها قبل العيد بعشرين يومًا فجمعنا لها الحطب من الطبيعة المزدحمة بصنوف الأشجار والشجيرات
احتطاب جائر،وفأس ثائر،وشباب دمه فائر، يعضد الأخضرواليابس بلا كلل ولا ملل في زمن لايحاسب فيه القانون على الهجوم على جمال الطبيعية فنصعد بأكوام الحطب شعف الجبال ورياضة الجبال شاقه لولاقوة وفتوةالشباب ما صعدناها وكان هتافنا
ومن يتهيب صعود الجبال…….
ففي ليلة العيد لن يشعل(( المشعال))
والمشعال هو وكالة أنباء القرية في ذلك الزمن الماضي عندما يُعلن العيد
فما إِن تأتي ليلة العيد فترى (المشاعيل) في قريتي وقفت شامخة مشمخرة بكبريائها على سفوح الجبال قد ابتلعت في جوفها من الشجر والشجيرات ما يسد جوعتها ويبرز روعتها .
فهي مبخرة العيد السامقة ومصباحه اللامع
فإذا ما اعلن العيد من الحكومة ينطلق الفتية يشقون خيوط الظلام وقد تضاءل شبح الليل في قلوبهم امام انوارالعيد وفرحته فبهجتها اكسبتهم مناعة ضد رهبة الليل وظلمته فلاهمَّ لهم الا الوصول للمشعال وهنا تبدأ الحكاية فيقترب عود الثقاب بكل ضراوة وقساوة فتُضْرم النار لتلتهم وجبتها الشهية فتضيء سفوح الجبال فيرتفع الموّال
و تبدأ أهازيج العيدفنترافص كتراقص حبات البرد عندما تسقط على الأرض
ثم نعود للبيوت فنأخذ الثوب والشماغ فتكوى بالمكواة الحديدية التي تنوء بحملها العصبة القوية يوضع في جوفها الجمْرالأحمرلتدب فيها الحرارة ولكن هيهات هيهات انى لهذا الحديد الغليظ الثقيل أن يسخن سريعاً ولكن!!!!!! ما كان يهمنا كثيراً أَن يكون الثوب ممسوحاً منسدلاً كأستارالكعبة
وفي الصباح بعد أداء الصلاة تبدأ رحلة الدوران فندور حول محورالقرية بسرعة تفوق سرعة الأرض حول محورها مشياً على الأقدام نجوب كل أزقة وطرق القرية فندخل كل بيت وهنا تخرج الخبزة المدورة ذات الحجم الكبيرمن خدْرِها تتكشف أمام الأجانب والمحارم بحيث تتربع هذه الآنسة على عرشها البلقيسي في يوم عيدها البهي ومكانها الأَبيْ .
فهي عروس مائدتنا قد تزينت ببقع سوداء جميلة كالوشم على خدها العلوي
وهذه العروس العذراء لاهوادة ولا رحمة معها فنكسّرعظمها العلوي ونمزّق لبها الداخلي بالسكين فتصبح كقطع الكعكة الجميلة تغمس في المرق والسمن البلدي لتسمع ارتشاف المرق نغمة مميزة لسفرة عيدنا وبهجة جمعتنا.
وهَلْ!!! العيد الا ضحكات ونسمات وابتسامات !!
.تنتهي هذه الرحلة قبيل أذان الظهر فمن يعيد لنا رسوم تلك الأيام الجميلة فلم يبق منها إلا دروع التذكار الماضي
أما مظاهر عيدنا اليوم في عصر المدنيّة فأصناف الأطعمة المالحة والحلوة مائدةٌ مفتوحةٌ فيها ما لذ وطاب، الأكسيةغالية والمباني عاليه
لكن !!! لهو عيدنا اليوم لدى كثير من المسلمين موسيقى صاخبة خمور وسفور واختلاط وإسراف وتبذير لذلك ربنا ذكرنا بقوله سبحانه (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون
وهذا لعمروالله نذيرشؤم إن لم ينصح المسلمون بعضهم بعضاً بالتي هي أحسن فسفينة مجتمعاتهم مهددة بالانقلاب إذا طفحت أمواج المعاصي عندئذٍ سيذيقهم الله لباس الخوف والجوع جزاءً وفاقاً فالتمرد على أوامر الله ورسوله سبب سلب النعم وحلول النقم فاللهم سلِّم سلِّم
واخيراً…..
يا أصدقاء شبيبتي…… هذا بعض مظاهرعيدنا في الماضي فلا ننس آبائنا وأصحابنا الذين غادروا هذه الحياة
أنْ نذْكرهم بدعوة صالحة
فهناك مقعد في عيدنا سيبقى خالي لن يجلس عليه رب العائلة او احد افرادها قد اخترمتهم المنية فغابت وجوههم المسفرة عن عيدنا المبارك
فنسأل الله أن يجعل قبورهم روضة جنانية ونوراً مؤنساً لحياتهم البرزخية
وان يفتح لهم باباً إلى الجنة يأتيهم من ريحهاوروحها وانسها ما يعوضهم عن فراق أحبتهم
الله اكبر الله اكبر لااله الاّالله
الله أكبرولله الحمد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
كتبه/أ عثمان أحمد الزهراني
١٤٤٣/٩/٢٩هـ