صحابية جليلة طهور من كبار الصحابة . تعددت نعوتها أكثر من نعت ، وانفردت عن سائر الصحابيات والصحابة بنعوت عدة . أسلمت قبل دخول النبي عليه أفضل الصلاة والسلام دار الأرقم فوق مشعر الصفاء ، وعرفت بنعوت عدة : بزوجة الشهيدين ، وزوجة الأخوين ، وزوجة الخليفتين ، ومصلية القبلتين ، ومهاجرة الهجرتين ، والمبشرين بالجنة ، وصاحبة السفينة ، والبحرية الحبشية . كلها نعوت تطلق عليها ، وتعددت نعوتها دلالة قطعية على شرف الاسم والمسمى ومكانتها ، وتشريفاً لها ، وأهمية ماتتمتع به من صفات ، ومميزات شخصية ، وليس النعوت تشرفها بل هي من تشرف النعوت ، وتكتسبها بالأفعال وقوة الإرادة ، ولها من أسمها نصيب .
ياسادة هذه الصحابية/ أسماء بنت عميس بن معد بن الحارث . تلقب بأسماء الخثعمية ، ويمتد نسبها إلى هوازن المضرية ، وتكنى بام عبدالله . المولودة بمكةالمكرمة . ولا يعرف تاريخ ولادتها ، لها ذكر غير خامل بإسلامها ، والزواج من ثلاثة من كبار الصحابة مبشرون بالجنة ، إثنان أبني عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ابي طالب ( عبدمناف ) لايضرها أو يضيرها عدم معرفة تاريخ ولادتها .
أمها هند بنت عوف بن زهير بن الحارث .
هذه الصحابية الطهور الطاهرة الجليلة العصامية . أشتهرت بطب الأعشاب ، ومعبرة الرؤيا ، وفقيهة وعالمة ، وزوجة الشهيد جعفر بن ابي طالب أبن عم رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ، وروت الكثير من الاحاديث النبوية عن رسول الله ، ومنها حديث دعاء الكرب قالت قال لي رسول الله ( الا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب الله الله ربي لا أشرك به شيئاً) وحديث عدم النياحة على الميت تقول : لما بلغها استشهاد زوجها جعفر بغزوة مؤتة حزنت حزناً شديداً ورضت بقضاءالله وسمعاً وطاعة لرسول الله حين أمرها بقوله : ( يا أسماء لا تقولي فجراً ولا تضربي صدراً ) فمتثلت لأمره دون تردد ، وكانت صابره ومحتسبة ، وتكثر الحمد والحوقلة ، فبشرها النبي بان الله جعل لزوجها جعفر رضي الله عنه وعنها جناحي يطير بهما في الجنة ، وايضاً روت عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها ، وروى عنها أبناءها وأحفادها ، وابن اختها عبدالله بن شداد ، وجمهور الصحابة والتابعين .
هاجرت للحبشة مع زوجها ، وهي عروس بعد ماذاقت وزوجها شتى أشكال الأذى ، والمضايقة على يد كفار قريش كغيرهم من المسلمين الاوائل ، ويعدون على الأصابع نصحهم رسول الله بالهجرة للحبشة بها ملك لا يظلم عنده احد . ارض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه .
لم تتردد ابنة الحسب والنسب . حديثت عرس جديد . ان تترك كل شيء وراءها ، وايجابة لنصيحة الرسول ، وترافق زوجها في هجرته من أجل التمسك بالدين الإسلامي الجديد ، والمساهمة في نشره بأرض الله .
بدأت حياتها ، وهي حديث زواج جديد بالحبشة ، وأنجبت في الحبشة أولادها الثلاثة: عبدالله وعون ومحمد . أول مولودين بالاسلام بأرض الحبشة خارج جزيرة العرب على حد علم كاتب المقال ، وعاشت بالحبشة ١٢ عاماً في ظل عدل وانصاف النجاشي . تنشر وزوجها رسالة الإسلام .
حين استقر المسلمون في المدينة المنورة بعد سبع سنوات من الهجرة . رأى رسول الله الأوان ان يعود مهاجروا الحبشة ، ويلحقوا به بالمدينة المنورة من أجل ان تقوى شوكة الاسلام . لم يتردد جعفر وزوجته أسماء بتلبية وايجابة المصطفى ، وعادوا للمدينة المنورة بأولادهم . ليبداوا حياة جديدة ، ومجتمعاً إسلاميًا جديد بالمدينة المنورة ، وكتب الله لهم هجرتين للحبشة أولاً ثم للمدينة المنورة ثانياً . من هنا جاء لقب أسماء مهاجرة الهجرتين .
صلت إلى بيت المقدس بالشام في بداية الإسلام باعتبارها القبلة الأولى ثم صلت إلى المسجدالحرام بمكةالمكرمة في السنة الثانية للهجرة المباركة منتصفها عجز جمادالثاني ، وصدر رجب . بعد مضي ١٨ شهراً من الهجرة ، وهذه القبلة الثانية ، فتكون بذلك مصليةالقبلتين.
أشتهرت بتزوجها من ثلاثة مبشرين بالجنة . إثنان خليفتان ، وواحد شهيد ، ويقال زوجة الشهدين والأخوين ، وأنجبت منهم الثلاثة أولاد ، وسمت أبناءهم على اسم رسول الله عليه أفضل الصلاة والسلام ( محمد ) لحبها الشديد لرسول الله ، وأكثر الصحابيات زواجاً ، وتعدد أولادها من أكثر من زوج ، وهذا ما يعرف عند العرب ( أولاد الأخياف ) من أم واحدة ، وآباء شتى .
بعد استشهاد زوجها الأول جعفر بن ابي طالب في موقعة مؤته سنة ٨ هجرياً . تزوجها ابوبكرالصديق ، وانجبت منه ولداً أسمته محمد على اسم رسول الله محبةً لرسول الله اسماً وصفةً ، وبعد وفاته رضي الله عنه عام ١٣ هجرياً . تزوجها علي بن ابي طالب أبن عم رسول الله بعد وفاة فاطمة بنت رسول الله رضي الله عنهما ، وأنجبت ثلاثة من الأولاد أحدهم سمته باسم رسول الله محبة لرسول الله .
أحسنت التبعل مع ازواجها . نعم الزوجة الصالحة المعينة لزوج ، ونعم الأم العطوفة الحنونة على أولادها ، وحسن التربية لهم . المسلمة السابقة حسن إسلامها ، وتوثقت صلتها بأمهات المؤمنين وابنة رسول الله فاطمة رضي الله عنها وعن أمها وأخواتها . الفقيهة العالمة ، والراوية للحديث ونقل عنها أبناءها وأحفادها والصحابة والتابعين ، ومعبرة الرؤيا ، وتنعت بالبحرية الحبشية . زوج الشهيد العلم أبن عم رسول الله / جعفر بن ابي طالب المعروف بجعفرالطيار . هاجر الهجرتين وزوجته أسماء معه . الهجرة الأولى الحبشة والثانية المدينة المنورة . استطاع جعفر إقناع نجاشي الحبشة باستقبال المسلمين المهاجرين ، واحد القادة في موقعة مؤتة . فقد ذراعيه فيها ، واستشهد فيها ، واخبر الرسول :ان الله أبدله بجناحين يطير بهما في الجنة . اشتهرت زوجته أسماء ايضاً بتفسير الرؤيا وتعبيرها بجانب طب الأعشاب . يذكر ان عمر ابن الخطاب يسالها ذات يوم عن تعبير رؤية ديكاً نقره اسفل سرته نقرتين ، فأخبرته هذا رجل أعجمي . يصيبك بشر ويطعنك طعنتين ، فكان ابولؤلؤة المجوسي طعنه طعنتين تحت سرته .
لم يسبقها احد من المهاجرات في رواية الحديث الا أم المؤمنين عائشة وأم المؤمنين أم سلمة ، وروى عنها أبنها عبدالله وابن أختها عبدالله بن شداد ، وسعيد بن المسيب ، وعروة ابن الزبير ، وحفيدها القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم .
زوجها جعفر أول من عقر فرساً في الاسلام ، وزوجته أسماء أول من أشارت بنعش المرأة لبنت رسول الله فاطمة ، وتفردت بأول مولود في الاسلام بالحبشة ، وتوافقت مع بنت رسول الله رقية في الهجرة والكنيه بالهجرتين وكلاً منهما تكنى بام عبدالله .
هاجرت هجرتين في سفينة ، ويسمون بأصحاب السفينة . سر رسول الله حبوراً بهجرتهم من الحبشة اليه بالمدينة المنورة ، وسعد بقدومهم جداً في السنة السابعة هجرياً . يصادف يوم فتح خيبر من أعظم حصون اليهود حينذاك ، وقال النبي معبراً عن حبوره وسروره بقدومهم من الحبشة : ( ما أدري بأيهما أفرح بقدوم جعفر أو بفتح خيبر ثم تلقاه والتزمه وقبل مابين عينيه )
أول ماتزوجت بالصحابي الجليل البطل النحرير الشهيد احدالعشرة المبشرين بالجنة/ جعفر بن ابي طالب رضي الله عنه وعنها وآخر ما تزوجت بالفارس المقدام الأسد الضرغام الشهيد/ علي بن ابي طالب رضي الله عنه وعنها ، أخو وشقيق الأول وبذلك نعتت بزوجة الأخويين والشهدين رضي الله عنهما وعنها اخوان ابوهما ابي طالب بن عبدالمطلب وأمهما فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبدمناف زوجة الي طالب أم الرسول بتربيته بعد وفاة جده عبدالمطلب كفله عمه ابي طالب ، ونشأ بين يدي زوجته فاطمة رضي الله عنها ، أسلمت بعد عشرة من المسلمين الحاديةعشرة منهم ، والثانية من النساء بعد خديجة زوجة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ، ولها محبة ومنزله عند رسول الله ومن محبته ومنزلتها عنده سمى احد بناته باسمها ( فاطمة )هاجرت للمدينة المنورة وتوفيت بها سنة ٤ هجرياً الموافق ٦٢٥م ، ودفنت بالبقيع .
أسماء لها أخو ( عوف بن عميس ) وأخواتها:
- سلمى بنت عميس شقيقتها من الاب والأم اي أختها من الوالدين وسلمى زوجة الشهيد/ حمزه بن عبدالمطلب ، ولدت ابنتهما أمامة. في عمرة القضاء اختصم عليها كلاً من علي بن ابي طالب وزيد بن الحارث ، وجعفر بن ابي طالب . أراد كل واحد منهم كفالتها ، وضمها اليه ان يستهموا أيهما يكفلها ، والاثنان الاخرين عندهما خالتي إمامة ويتعللا كلاً منهما الحق بكفالتها . فقضى النبي لجعفر بكفالتها لأن خالتها شقيقة أسماء بنت عميس من جهة الأم والأب ، وزوجة جعفر ولقول النبي: ( ان المرأة لا تنكح على عمتها ولا على خالتها ) والخالة كالام حريصة عليها كبنتها . وسلمى بعد استشهاد زوجها حمزة في غزوة احد سنة ٣ هجرياً تزوجها شداد بن الهاد الليثي ، وولدت عبدالله بن شداد روي الكثير من الاحاديث عن خالته أسماء ، وسلمى الاخت الصغرى لأسماء بنت عميس واخت غير شقيقة لأم المؤمنين زينب بنت خزيمة وأم المؤمنين ميمونة بنت الحارث .
- ميمونة بنت الحارث أم المؤمنين ( أخر زوجات رسول الله محمد عقد عليها بأسفل وادي سرف - التنعيم - ودفنت بوادي سرف ) ووادي سرف أعلاه جعرانه - ميقات أهل مكةالمكرمة - وأسفله التنعيم .
- زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية أم المؤمنين .
- لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن بن البجير بن الهرم زوجة العباس بن عبدالمطلب . عم الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأم كلاً من الفضل وعبدالله وعبيدالله وقثم وعبدالرحمن أبناء العباس بن عبدالمطلب وعبدالله حبر الأمة وفقيهها .
- لبابة الصغرى بنت الحارث أم خالد بن الوليد . تميزاً لبابة الكبرى .
وميمونة وزينب ولبابة الكبرى ولبابة الصغرى اخوات ( أسماء )من أمها من جهت الأم . ثنتان من اخواتها أمهات المؤمنين زوج الرسول ، وثنتان زوجتا اخوين حمزه والعباس أبني عبدالمطلب فضلاً عن أسماء مدار المقال زوجة جعفر أبن أخيهما ابي طالب أخو حمزه والعباس رضي الله عنهم .
روت عن النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين حديثاً وروى عنها أبناءها وأحفادها وأبناء أخواتها والصحابة والتابعين .
يروى ان حوار دار بينها وبين عمر بن الخطاب رضي الله عنهما اثناء زيارة الأول لأبنته أم المؤمنين حفصة زوجة رسول الله . رأى أسماء بنت عميس عندها بعد عودتها من الحبشة فتبسم ضاحكاً فقال: لها ياحبشية سبقناكم بالهجرة ، فارتعصت غضباً وقالت: نعم صدقت كنتم مع رسول الله يعلم جاهلكم ، ويطعم جايعكم ، ونحن البعداء الطرداء الغرباء ، فذهبت لرسول الله فقالت : يارسول الله ان رجالاً يفخرون علينا ويزعمون أنا ليس من المهاجرين فقال: عليه أفضل الصلاة والسلام بل لكم هجرتان هاجرتم للحبشة وهاجرتم لي بالمدينة .
صوامة قوامة كريمة شريفة ، ذات رأي ، لها مواقف طيبة ، وكثيرة في الاسلام . مايؤثر عن حكمتها وكياستها ، ورحاحة العقل والرأي، حينما سئلت عن زوجيها ابوبكرالصديق وجعفرالطيار ايهما أفضل ؟ اجابت بحنكة وفطنة وكياسة بقولها؛( ما رأيت شاباً كان خير من جعفر ، ولا كهلاً خير من ابي بكر ) مما حدى بعلي بن ابي طالب يقول:( ما تركت لنا شيئاً ولو قلت غير هذا لمقتك ) ويومها تحت علي بن ابي طالب زوجاً . هذا طرف من دهاءها وفطنتها ، ورجاحة العقل .
القضاء والقدر محتوم ، وضرورة حتمية ، وكل نفس ذائقة الموت ، ولا حول ولا قوة الا بالله . طوى القضاء والقدر أجل هذه الحابية ، ورحلت ام الأحياف البحرية الحبشية من أصحاب السفينة . مصلية القبلتين ، ومهاجرة الهجرتين . زوجة فوق العادة أسماء بنت عميس إلى جوار ربها في ذمة الله مختلف في سنة وفاتها عام (٣٨ - ٣٩ - ٤٠ - ٦٠ )هجرياً الموافق ٦٦٠م وأرجح الأقوال عام ٤٠ قبل وفاة زوجها علي بن ابي طالب ببضع أشهر ، وهو مانميل اليه للمبررت التالية: لو أنها بعده لورد ذكرها حدادها عليه ، وتغسيله كما فعلت بزوجها ابو بكرالصديق ، وعمرها قد أزف الستين سنة .
سبب الوفاة أتاها خبر نعي أبنها محمد بن ابي بكرالصديق من مصر ، وقامت إلى مصلاها تصلي ، وكظمت غيضها ، وحبست دمعها فانعكس ذلك على بدنها ، فشخب ثدياها دماً ، فنزفت حتى فاضت روحها ودفنت بدمشق باب الصغير ، مقبرة أبن الصغير ( مقبرة الباب ) رضي الله عنها ، وعن ازواجها الثلاثة المبشرين بالجنة ، وأخواتها وأنجالها وأحفادها صحابة وتابعين .
بقلم الباحث والكاتب/خالد بن حسن الرويس
المصادر :
الطبقات لابن سعد
السيرة لابن هشام
الاستيعاب لابن عبدالبر
أسد الغابة لابن الأثير
الإصابة لابن حجر العسقلاني
سير اعلام النبلاء للذهبي ج٢ ص ٢٨٢
ابن كثير البداية والنهاية ص ١١٧١