يُحكى أنَّ امرأة من أهل الحي متنكرة فلا يُعرَف أي نساء الحي هي ، تطوف على منازل المقتدرين في نهار رمضان لتجمع منهم الأطعمة وتوزعها على منازل المتعففين الذين لايسألون الناس إلحافًا ، تلك هي الجبَّاية كما عرفها أهل المنطقة الشرقية قديمًا .
المتعفف يختار وازع الحياء سترًا وغطاءً يتدثر به من زمهرير العيب ، ولذا يظهر كأبهى مايكون أمام الناس ، فلا أزال أتذكر أحد الأعيان وهو المهاب في قريته وبين عشيرته عندما يقول لأحد فاعلي الخير عندما أراد أن يسجله كمستحق للصدقة والزكاة في جمعيةٍ خيرية : من يريد أن يساعدني بالسر فجزاه الله خيراً وأمَّا أن تفضحني بين الناس فأرجوك لاتفضحني.
أجزم أنَّ في كل حي وقرية هناك متعفف أو أكثر ، والوصول إليهم ليس مستحيلًا فيما لو تفقد كلٌّ منا ذويه وجيرانه بطرقٍ حصيفة ، فاليوم يختلط المحتاج مع المستمرىء مع المتعفف ، وتتزايد عندئذٍ مسؤولية فاعلي الخير والجمعيات الخيرية في الكشف والوصول للمتعفف .
من هنا أرى أن نغير مفهوم الوصول للمحتاج في جمعياتنا الخيرية فبدلًا من انتظار وصوله إلينا نحن نبادر في الوصول إليه ، مع الأخذ بالاعتبار أنَّ النساء هنَّ الأقدر على كشف حالات الاحتياج والتعفف لاعتباراتٍ اجتماعية وهنا اقترح إعادة هيكلة جمعيات البر الخيرية على النحو التالي :
أولاً : الجمعية العمومية : وتقوم بالدور المناط بها نظامًا
ثانيًا : مجلس الإدارة : ويجب أن لايزيد عن ثمانية أعضاء من الجنسين
ثالثًا : فريق التمكين : وهو الجهاز التنفيذي ولا يجب أن يزيد عن خمسة أفراد من الجنسين.
رابعًا : فريق البحث والمساندة : وهو الفريق الميداني الذي يقوم بمباشرة حالات الكشف عن المحتاجين والمتعففين واقتراح طرق مساعدتهم وفق آليةٍ الكترونية محددة من مجلس الإدارة ولا يقل عن خمسة عشر فردًا يمثل السيدات فيه ستون في المئة ، ويجب إقرار مكافآت مجزية للفريق واعتماد برنامج مزايا مالية معتبره له ، واعتماد ساعات تطوعية .
الجبَّاية تلك كانت تمنح العيش الكريم للمتعففين وهذا مانفهمه من معنى الآية ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) واليوم إن لم نقدم كأفراد وكجمعيات بدور الجبَّاية فأشك كثيرًا أننا سنبرأ من الإثم .