أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالمحسن القاسم واستهل فضيلته خطبته الأولى عن أسماء الله الحسنى فقال : لله تعالى الأسماء الحسنى المتضمنة لأكمل الصفات وأعلاها ومن أسمائه ما لو أحصاه العبد لدخل الجنة وكل ما في الكون من حركة أو سكون، فإنما هو من آثار أسمائه وصفاته {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} ومن أسمائه التي سمى بها نفسه، وتعرف بها إلى خلقه: «الحفيظ» و«الحافظ»، حفظ ما أوجده من المخلوقات بقدرته، ولولا حفظه لزالت واضمحلت، ولولا عنايته لاختل نظام الخلق وعدا بعضها على بعض.
فالسموات والأرض وما فيهما وما بينهما إنما تقوم بأمره، {إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَن تَزُولَا ۚ وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ ۚ } وحفظهما وما فيهما لتبقى مدة بقائها فلا تزول ولا تندثر، وحفظها أهون شيء عليه وأيسره {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ۖ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا ۚ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ } .
وحفظه شامل لجميع مخلوقاته، لا يستغني منهم شيء عن حفظه طرفة عين {إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ} ومافي السماء ولا فوق الأرض ولا تحتها شيء إلا وهو محفوظ في كتاب ، {قَدْ عَلِمْنَا مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ ۖ وَعِندَنَا كِتَابٌ حَفِيظٌ} قال ابن كثير رحمه الله ( أي: قد علمنا ما تأكل أجسادهم في البلى، نعلم ذلك ولا يخفى علينا أين تفتقي الأيدان؟ وأين ذهبت؟ وإلى أين صارت؟».
وتحدث فضيلته عن حفظ الله لعباده بأن وكل بهم ملائكة فقال: ومن حفظه لعباده: أن وكل بهم الملائكة المعقبات من بين أيديهم ومن خلفهم يحفظونهم من المضار بأمر الله من الآفات {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ} قال مجاهد رحمه الله( ما من عبد إلا له ملك موكل يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه يريده إلا قال: وراءك! إلا شيئا يإذن الله فيه فيصيبه».
ويحفظ على العباد جميع أعمالهم ولا يغيب عنه شيء من أقوالهم، ووكل مع كل إنسان ملك حفظ عمله، وتحصي عليه ما يعمله من طاعة أو معصية {إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} وهي محفوظة في صحف الملائكة كذلك{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ(10) كِرَامًا كَاتِبِينَ (11) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } .
وأما أولياؤه من الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم؛ فلهم مع ذلك حفظ خاص، فهو سبحانه يحفظهم عما يضر إيمانهم أو يزلزل إيقانهم من الشبهات ، والفتن، والشهوات ويحفظهم من أعدائه من الجن والإنس فينصرهم عليهم ويدفع عنهم كيدهم.
ومن حفظ أوامر الله بالامتثال ونواهيه بالاجتناب، وحفظ جميع أعضائه، وحفظ حدود الله فلم يتعدها كان الله معه في جميع أحواله حيث توجه، يعوله وينصره، فيحفظ له دينه من الشبهات والشهوات، ويحفظ له دنياه، ويحفظه في أولاده وأهله ومن يتصل به، ويحفظ عليه دينه عند الموت فيتوفاه على الإيمان، قال النبي صلى الله عيه وسلم: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك – أو أمامك-» رواه الترمذي.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بالحديث عن حفظ الله فقال : فالله عليم كبير مع سعة الكون حفظه بمن فيه؛ والنفس مفطورة على حب من يحفظها ويحرسها والله حفظك في كل مكان وفي كل زمان فهو أحق أن يحب ويطاع ومن استشعر حفظ الله لأعماله أورثه ذلك دوام مراقبته.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن الأخذ بالسبب، واليقين أن الله يحفظه فقال: من علم أن الله حافظ لكل شيءٍ وقادر عليه لم يركن إلى الأسباب، ويفعلها مع يقينه بأن الحفظ كله بيد الله وأن الأسباب قد يتخلف مقتضاها، فالصدق اللجوء إلى الله؛ والتوجه إليه وحده في طلب الحفظ والعصمة والسلامة من المؤذيات، والنجاة من المهلكات.
وأسماء الله وصفاته يدل بعضها على بعض؛ فالحفيظ العليم، سميع بصير، قريب مجيب، له القدرة التامة والمشيئة المطلقة والحكمة البالغة، والناس في العبودية والقرب من الله على قدر علمهم بأسمائه وصفاته سبحانه.