تحدث فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشريف الشيخ الدكتور عبدالمحسن بن محمد القاسم في خطبة الجمعة اليوم عن رسولنا صلى الله عليه وسلم، وما جاء به من فضائل، وعن عظيم رسالته قائلا التأمل في آيات نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- ودلائل صدقه يزيد الإيمان، والرفعة تنال بكثرة النظر في محاسنه الباهرة وشريعته الطاهرة ولا طريق لنا لمعرفة الله إلا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- ومن أراد معرفة صدق الرسالة وجلاء براهينها فعليه بالقرآن العظيم، ولما كانت حاجة الخلق إلى تصديق الرسول صلى الله عليه وسلم أشد من حاجتهم إلى جميع الأشياء، يسر الله الدلائل التي بها يعرف صدق الأنبياء وجعلها من الكثرة والظهور والوضوح بحيث لا يختلف عن الإيمان بها إلا معاند، ولا يتردد في التصديق بها إلا مكابر، والخير كله في الثبات على التصديق بالنبوة وطاعته .
وأضاف : أرسل الله الرسل لهداية الخلق، يكملون الفطرة بما معهم من نور الوحي ويدعون إلى عبادة الله ومحاسن الأعمال ومكارم الأخلاق ، وحاجة العباد إلى الرسل أعظم من حاجتهم إلى الطعام والشراب والنفس إذ لا سبيل إلى السعادة والفلاح ونوال رضا الله البتة إلى على أيديهم، والله تعالى متفرد بالغنى التام، والقدرةِ الكاملة والعلم المحيط والرسل -عليهم السلام- بشر لا يملكون من هذه الثلاثة إلا ما آتاهم الله قال تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام : ” قُل لَّا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ ۖ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ “.
وقال : جمع الله لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم أكثر وأعظم مما جاء به الأنبياء من الآيات قال شيخ الإسلام رحمه الله : ومعجزاته تزيد على ألف معجزة، وليس في الدنيا علم مطلوب بالأخبار المتواترة إلا والعلم بآيات الرسول وشرائع دينه أظهر منه ، قال سبحانه : ” هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَىٰ وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ۚ وَكَفَىٰ بِاللَّهِ شَهِيدًا “.
وتابع : وآيات نبوته ظهرت في الإنس أيضاً : ففي خطبة حجة الوداع فتح الله له أسماع الناس حتى سمعوه جميعاً وكانوا أكثر من مئة ألف، ودعا لأنس -رضي الله عنه- بكثرة المال والولد فدفن في حياته أكثر من مئة وعشرين من صلبه، ودعا لأبي هريرة وأمه رضي الله عنهما أن يحببهما الله إلى المؤمنين، قال أبو هريرة رضي الله عنه : ” فما خلق مؤمن يسمع بي إلا أحبني “، وكسرت رجل عبدالله بن عتيك رضي الله عنه فمسحها فبرأت ، وبصق في وجه علي رضي الله عنه من رمد كان به فبرأ كأن لم يكن به وجع.
وقال: دلائل نبوته ظهرت في البهائم أيضاً دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوماً حائطا لبعض الأنصار فيه جمل فلما رأى الجمل رسول الله عليه الصلاة والسلام بكى فمسح عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فسكت فقال لصاحب الجمل : ” أما تتقي الله في هذه البهيمة التي ملككها الله ؟ إنه شكا إلي أن تجيعه وتدئبه – أي تتعبه “، وقالت عائشة رضي الله عنها : كان لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وحش فإذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم لعب واشتد وأقبل وأدبر فإذا أحس برسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد دخل ربض فلم يترمرم – أي لم يتحرك ولم يخرج صوتاً ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم في البيت كراهية أن يؤذيه .
وأضاف : من آيات نبوته أخلاقه الطاهرة وخلقه الكامل ومع ظهور أمره صلى الله عليه وسلم وطاعة الخلق له تقديمهم له على الأنفس والأموال مات ولم يخلف درهماً ولا ديناراً ولا شاة ولا بعيراً إلا بلغته وسلاحه ودرعه مرهونة عند يهودي على ثلاثين وسقاً من شعير ابتاعها لأهله.
وتابع : أيها المسلمون من تدبر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من ولادته إلى موته علم أنه رسول الله حقاً أتى بكلام لم يسمع الأولون والآخرون بنظيره وكان في كل وقت يأمر أمته بالتوحيد ويدلهم على كل خير وينهاهم عن كل شر ويظهر الله له من عجائب الآيات، جاء بأكمل دين وجمع محاسن ما عليه الأمم فأصبحت أمته أكمل الأمم في كل فضيلة وهذه الفضائل به نالوها ومنه تعلموها وهو الذي أمرهم بها فصاروا أعلم أهل الأرض وأدينهم وأعدلهم وأفضلهم.