من معاني (القردحة) في لغة العرب: التذلُّل والتّصاغُر. والقردح: هو القرد الضخم كالقرُدوح. وقردح الرجل: أقر بما يُطلب إليه أو يُطلب منه. عن ابن الأعرابي قال: القردحة: الإقرار على الضيم، والصبر على الذل. وقد قردح؛ إذا تذلل وتصاغر، وهو مقردَح. وأوصى عبدالله بن خازم بنيه عند موته فقال: (يا بني؛ إذا أصابتكم خِطة ضيم لا تطيقون وقعها؛ فقردحوا لها، فإن اضطرابكم منه أشد لرسوخكم فيه). أما التقبُّح؛ فهو من القباحة أجاركم الله، ويكفي في وصفها قول الشَّافعي:
يخاطبني السَّفِيهُ بكلِّ قبْحٍ
فأكرهُ أن أكونَ له مجيبَا
يزيدُ سَفَاهَةً فأزيدُ حلمًا
كعودٍ زاده الإحراقُ طِيبَا
ولأن ما يأتينا اليوم من لبنان- ذلك القطر الذي كان عربيًا قبل عشرين من السنين- من سب وشتم، ومخدرات ودسائس، وعدوان مبين؛ فهو لا يمثل شخصًا بعينه، ولا طائفة دون غيرها، ولكنه يمثل الدولة العربية اللبنانية، التي تدار برئيس جمهورية، ورئيس وزراء، وحكومة يقولون إنها تمثل كل الشعب اللبناني، بينما يظهر رئيس حزب واحد فيه على الشاشات الفضائية ليقول: بأنه يدير (مئة ألف ميلشاوي)، مسلحين ومدربين وجاهزين للقتال..! وهو بهذا ينقض كل قول بأن لبنان تحكمه حكومة تمثل كل طوائفه واتجاهاته، فهذا الحشد المسلح؛ يمثل ضعف جيش الدولة، وكل وزير أو مسئول في الحكومة؛ يخشى على حياته من حزب الله ورئيسه حسن نصر الله- يا روح ما بعدك روح- فما ظهر مؤخرًا من وزير الإعلام (جورج قرداحي)، ومن وزير الخارجية (عبد الله بوحبيب)، ومن سلفه (شربل وهبة)؛ يعكس سياسة الحزب الصفوي المجوسي الذي يحكم لبنان، ويخدم الأجندة الإيرانية، حتى لو جاء من بيروت تحت علم لبنان وشجرة الأرز العتيقة. وفي النهاية؛ فإن هؤلاء الميلشاوية؛ ومن هم على شاكلتهم على كامل الأرض اللبنانية؛ يُعرّون بلدهم أمام العالم.. كل العالم.. ويضرون بمصالح شعبهم العربي، القائمة على الدعم من عشرات الدول، وخاصة من دول الخليج العربي، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية.
إن من حقنا في مملكتنا الفتية؛ وفي بقية دول الخليج العربية؛ أن نتخذ مواقف عملية- سياسية وإعلامية واقتصادية- تجاه كل من يعتدي علينا بالقول أو الفعل، وأن نتذكر بفخر؛ أيادينا البيضاء للبنان واللبنانيين طيلة عقود فارطة، تلك التي جحدوها وتنكروا لها، فعضُّوها بغباء وحمق، ارضاءً لأسيادهم في طهران. مئات الألوف من اللبنانيين يعملون في بلادنا وفي خليجنا، ويدعمون بلدهم ومجتمعهم اقتصاديًا، وثمانون مليار دولار من السعودية وحدها، لدعم لبنان وانتشاله من فقره وعوزه، ومع ذلك؛ يعتدون علينا جهارًا نهارًا، بتصدير المخدرات إلى مجتمعنا، وتدريب عناصر الحوثة على القتال، وتزويدهم بالخبراء، وبالصواريخ البالستية والطائرات بدون طيار، بهدف ضرب مدننا ومنشآتنا وقبلة المسلمين في مكة. ثم يظهرون على الشاشات ليقولوا أننا (بدو)..! يا لها من مدحة أتت من لسان عدو جاهل..! ويبررون العدوان علينا؛ مستنكرين دفاعنا عن أنفسنا، ويبررون كذلك تصديرهم للمخدرات إلى بلادنا..! هل رأيتم أعظم قبحٍ من هذا الذي يجري من هذا البلد الصغير الضئيل في كل شيء..؟ لولا فرص العمل التي وفرناها لمئات آلاف من أبنائهم، والدعم المالي السنوي لخزائنهم المالية.. ما كان حالهم إذن..؟ ما أشبهنا وهم؛ بهذه القصة التي تمثل صنعنا لمعروف في غير أهله، ونكران جميل ممن لا يحفظ معروفًا، ولا يعرف الجميل في التعاطي مع أهله. يقال: خرج قوم إلى الصيد؛ فطردوا ضبعًا؛ حتى ألجؤوها إلى خباء أعرابي؛ فأجارها، وجعل يطعمها؛ فبينما هو نائم، إذْ وثبت عليه؛ فبقرت بطنه، ومات. وجاء ابن عم له يطلبه، فإذا هو بِقِيْر؛ فتبع الضبعة حتى قتلها، وقال:
وَمَنْ يَصْنَعِ المُعَرُوْفَ فِي غَيْرِ أَهْلِهِ
يُلاَقِيْ كَمَا لاَقَى مُجْيُر أُمِّ عَامِرِ
أعَدَّ لَهَا لَمَّا اسْتَجَارَتْ بِبَيْتِهِ
أَحَالِيْبَ أَلْبَانِ اللَّقَاحِ الْدَرَائِرِ
وَأَسْمَنَهَا حَتَّى إِذَا مَا تَمكَّنَتْ
فَرَتْهُ بِأَنْيَابٍ لَهَا وَأَظَافِرِ
فَقُل لِذَوِي الْمَعْرُوْفِ هذَا جَزَاءُ مَنْ
يَجُوْدُ بِمَعْرُوْفٍ عَلَى غَيْر شَاكِرِ
من الواضح أن تصريحات جورج قردحاي؛ ومن قبله شربل وهبة، ومن بعدهما عبد الله بو حبيب)؛ ليست سوى (رأس جبل الجليد) الذي أزّم لبنان الدولة والمجتمع. هذا وصف صادق لوزير الخارجية السعودي (الأمير فيصل بن فرحان) الذي قال: (الأمر أكبر من تصريحات وزير واحد.. أعتقد أننا توصلنا إلى خلاصة بأن التعامل مع لبنان وحكومته الحالية؛ لم يعد مثمرًا أو مفيدًا.. المشهد السياسي في لبنان ما زال يسيطر عليه حزب الله، وهو جماعة إرهابية، تقوم بتسليح ودعم وتدريب ميلشيات الحوثيين).
وسط هذه الأغبرة المثارة من معظم ساسة لبنان وقادته؛ وعجزهم الفاضح عن الامساك بالقرار اللبناني؛ الذي انتزعه حسن نصر الله وحزبه الإرهابي؛ وسط هذا وبينه؛ تكمن قوى التغيير للعودة بلبنان وشعبه إلى حاضنته العربية. أصوات حرة أصيلة ترتفع من أرض لبنان بين وقت وآخر؛ تنبئ عن أصالة شعب عربي حر لا يقبل الضيم والعبودية. من بين هذه الأصوات التي تستحق الإشادة مفتي الديار اللبنانية الشيخ: (عبداللطيف دريان)، وإمام وخطيب مسجد ومجمع أبي بكر الصديق ورئيس الجمعية الخيرية للعطاء ببيروت الدكتور (مصطفى المزوق). هذان ومثلهما كثير ولا شك؛ من منابر التنوير التي يحتاجها الشعب اللبناني في مقبل أيامه.
نقول اليوم لكل مسيء لنا من لبنان: (تقردحوا وتقبحوا.. لا أيدي بيضاء لتُعضّ بعد اليوم). ونحيي كل عربي حر أصيل في لبنان؛ التي تتعرض للعدوان من قوى خارجية على أيدي موالين مرتزقة من أبنائه تحت راية حزب الله الإرهابي.