أم المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة فتحدث فضيلته في خطبته عن العلم بالله وأنه أشرف العلوم فقال: شَرَفُ العِلمِ في شَرَفِ المعلوم، وأشرفُ العُلومِ وأجَلُّها: العلمُ بالله تعالى.
(الله): هو المألُوهُ المعبُود، الربُّ المشكُورُ المحمود، الملِكُ المعظَّمُ المقدَّس، الحيُّ القيوم، ذو الجلالِ والإكرام، والأُلوهيةِ والعُبوديةِ على خَلْقه أجمعين، هو الأولُ بلا ابتداءْ، الآخِرُ بلا انتهاءْ ، جلَّ عن مِثل ومَثَلٍ ومِثال، وتعالى عن حُكمِ فِكرٍ وخَيال، لا تَبلُغُه الأوهام، ولا تُدرِكُه الأفهام، ولا يُشبِهُ الأنام { وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ} { وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا } .
وفي الحديث: (سُبحانك لا أُحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك) أخرجه مسلم.
(الله): هو المستحِقُّ لصِفاتِ الكمال، المنعُوتُ بنُعُوت الجَلال، تَأْلَهُهُ الخلائقُ تعظيمًا وخُشوعا، وخوفًا وخُضُوعا ، تهفُو له القُلوب، وتَسكُن إليه النفوس، وتَلْتَذُّ بمعرفتِه العُقول، وتَفتقِرُ إليه المخلوقاتُ بأَسْرِها؛ كيف لا! وهو مُنْشِئُها وباريها، ومُعيدُها ومُبديها.
تَصْمُدُ إليه في رَغائبها، وتَلُوذُ به في مَصائبها، وتَفْزَعُ إليه عند نَوائِبِها.
وتحدث فضيلته عن استجابة الله للدعاء وقضاء الحوائج فقال: (الله): يُغني السائل، ويَكفي العائل، يَبدأُ النِّعمةَ قبل الاستحقاق، ويَجُود بالإحسانِ من غير استثابة.
لا تُحجَبُ عنه دعوة، ولا تَخِيبُ لديه طِلبة، ولا يَضِلُّ عنده سَعي.
هو القريب في عُلُوِّه، العَلِيُّ في دُنُوِّه، إذا ناديتَه سَمِعَ نِداك، وإذا ناجيتَه عَلِمَ نَجواك، فأفْضَيتَ له بحاجَتِك، وأبْثَثْتَه ذاتَ نَفْسِك، وشكوتَ إليه هُمُومَك، واستكشفتَه كُرُوبَك، واستَعَنْتَه على أمورِك، وسألْتَه من خزائن رحمتِه ما لا يَقدِرُ على إعطائه غيرُه، من زيادةِ الأعمار، وصحةِ الأبدان، وسَعَةِ الأرزاق، وفَتحِ الأغلاق.
ثم جعل في يدك مفاتيحَ خزائِنِه بما أَذِن لك من مَسألتِه، فمتى شِئتَ استفتحتَ بالدعاء أبوابَ نعمتِه، واستَمْطرتَ شآبيبَ رحمتِه، فلا يُقنِّطُكَ إبطاءُ إجابتِه؛ فإنَّ العطيةَ على قَدْر النية، ورُبما أُخِّرَت الإجابةُ ليكون ذلك أعظمَ لأجرِ السائل، وأَجْزَلَ لعطاءِ الآمِلْ.
وأختتم فضيلته خطبته الأولى عن كرم الله في مضاعفة الحسنة وعدم مضاعفة السيئة فقال: فَتح لك بابَ المَتاب، وهَداك لسبيلِ الاستعتاب، ولم يَجعلْ بينه وبينك مَن يَحجِبُك عنه، ولم يُلْجِئكَ إلى مَن يشفعُ لك إليه، ولم يمنعْكَ إن أسأتَ من التوبة، ولم يُعاجِلْك بالنقمة، ولم يُعيِّرْك بالإنابةِ ولم يفضحْك.
جَعلَ نُزُوعَك عن الذنب حسنة، وعَدَّ سيئتَكَ واحدة، وعدَّ حَسَنتَكَ عَشرا.
سُبحانك يا ألله! سُبحانك مِن مَليكٍ ما أمْنَعَكْ، سُبحانك من رفيعٍ ما أرْفَعَكْ، ذو البَهاءِ والمجْد، والكبرياءِ والحَمْد.
لك يا أللهُ الذُل، وبكَ العِز، وإليك الشوق، ومنك الخوف، توحيدَك الاعتقاد، وعليك الاعتماد، وعفوَكَ الرجاء، ورِضاكَ البُغية، إياك نعبُد، وإياك نستعين.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن معرفة كمال الله وصفاته فقال : وأعلموا أن معرفةَ اللهِ تعالى مَنارُ السائر، وهُدى الحائر.
قال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيمية رحمه الله: (اللذةُ والفرحة، وطِيبُ الوقتِ والنعيمِ الذي لا يُمكِنُ التعبير عنه: إنما هو في معرفةِ اللهِ سبحانه وتعالى، وتوحيدِهِ والإيمانِ به) انتهى كلامُه.
إن العبدَ إذا عَلِمَ ما لمولاه من صِفاتِ الكمال والجلالْ، ودلائلِ العَظَمةِ والجمالْ، وشَواهِدِ الإنعامِ والإفضالْ: أحَبَّهُ محبةً عظيمةً تَفُوقُ محبةَ النفسِ والأهلِ والولد، وتلك مرتبةٌ عُظمى، ومنزلةٌ كُبرى، قال تعالى: { وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ۗ } وقال المصطفى ﷺ: (ثلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجدَ حلاوةَ الإيمان: أن يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحَبَّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأن يُحِبَّ المرءَ لا يُحبُّه إلا لله، وأن يَكرهَ أن يعودَ في الكفر كما يَكرهُ أن يُقذَفَ في النار) أخرجه البخاريُّ ومسلم، واللفظُ للبخاري.
ومن لَوازِم حُبِّ العبد لربِّه تعالى: عبادتُهُ وحدَه لا شريك له، والإخلاصُ له، وفِعلُ أوامِرِه، وتَرْكُ زَواجِرِه.
ومنها: إدامةُ ذِكره عز وجل؛ لأن من أَحَبَّ شيئًا أكْثَرَ مِن ذِكرِه، وفي الحديث القُدسي: يقول اللهُ تعالى: (وأنا معه إذا ذَكَرني) أخرجه البخاريُّ ومسلم.