لا حدس الترف بصفة العموم مذموم شرعاً وعقلاً .. شرعاً بالنصوص الشرعية الآيات المكية والمدنية .. والأحاديث النبوية الصحاح والحسان .. المتواتر منها والمشهور والآحاد .. مرفوعها وموقوفها .. وعقلاً ما يطابق النقل منقولاً ومنطوقاً .. وكلا نصوص النقل والعقل اتحدت فيما بينها اتحاد يفيد اليقين ، ويزيد في القطع .. وتقاطعت وتضامنت في ما بينها على ذم الترف والمترفين بما لا يفيد الظن ولا يتطرقه الحدس .. والترف أخطر شيء على الوجود والإنسان .. مدخل للغرور والخيلاء والكبرياء .. ما دخل الترف شيء إلا أصابه بالسكرة والخمول والضياع .. والتنمر على الآخرين في غير حق .. وساق الله في القرآن الكريم أمثال كثيرة ومنها قوله تعالى: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلكَ قَرْيَةً آمَرْنَا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فيها فَحَقَّ عَلَيْها القَوْلُ) الاسراء آية ١٦ .. فالترف مظنة الفسوق بسكرة الترف فالفسوق والترف صنوان البطر وعملة واحدة ..
إن الله لا يأمر بالفسوق .. إنما يفهم من قوله تعالى ( أمرنا مترفيها ..) من سياق منطوق الآية الجمع بين الإمارة والتجارة أي الجمع بين المنصب والوجاهة بشطريها ( المادية والمعنوية ) فيتطرقهم الفساد بالترف والانحراف والمعاصي المتداخلة بالترف .. تزيد شيئاً فشيئاً بثلاثيتها الحدية والكلية والحقيقية فتزيد المعاصي ، فيحق عليهم القول بتدميرهم من سوء السلوك ودناءة التصرف .. وتعاظم المعاصي والبعد عن الطاعات .. وأخطر شيء في الترف ما يطوي في طرفيه من مثالب ومخاطر يتردد بين امرين ليس احدهما أظهر.. ويتجسد في المناصب .. وأخطر شيء ترف المنصب ( المناصب المترفة ) فأصل المنصب ونشأته ما وضع الا من أجل خدمة المكان وإنسانه .. ويجمع علماء الفقه والإدارة أولهم عن أخرهم إلى درجة الإجماع تحقيقاً لا تعليقاً وجهابذة تقنية الإدارة ان المنصب والمناصب ايجادها خدمة المكان وإنسانه تكليفاً لا تشريفاً .. من أجل خدمة المكان ومجتمعه في القطاع العام يتأصل دون الخاص .. ينحى أهل الإدارة وعلماءها منحى ان المنصب وظيفة .. طالما انها وظيفة فالموظف للوظيفة .. وليس العكس .. تعد قاعدة يسار عليها .. وهو ما يعد من أعراف الموارد البشرية .. احد قواعد الخدمة المدنية المتعارف عليها .. نصاً من نصوصها .. وأصل تسير عليه .. فلا يحق للموظف بالمطالبة بالوظيفة . والاحاديث النبوية يلمس منها ما يؤيد ذلك ويستشف أن الوظيفة ولاية عامة .. ولا يجوز طلب الولاية .. ولا يمكن أن يكون المنصب ترفيه .. فالمنظمات المعتبرة لا تعترف به .. وكذلك أنظمة الدول المتقدمة وقد يكون متأصلاً أكثر في الدول المتخلفة أو النامية لهشاشة أنظمتها ومؤسساتها العامة ، وقلت التجارب وافتقارها الشديد لمراكز البحوث والدراسات العلمية ، وعدم مراجعتها الدورية وتجديدها والاطلاع ما عند الحضارات الأخرى .. فالمنصب تكليف وليس تشريف ولا توريث .. بعض الإدارات تعين أو تسند للموظف المنصب ولا يمارس مهام المنصب بالمكان الذي وضع من أجله .. لأسباب غير معروفة وغير وجيهة .. اما مجاملة أو محاباة .. وحرمان المكان ومجتمعه .. ويتأصل هذا في الأطراف النائية دون القلب ، وقد تلعب الواسطة في إيجاد المناصب المترفة باي شكل من الأشكال .. وأغلب هذه المناصب المترفة متأصله في المجتمعات المتخلفة والمتأخرة .. وتكون في الأنظمة الوراثية التي تنأى عن الديموقراطية ، وتخلو من مجالس الشورى والمناطق والمحلية ومجالس مراكز الاحياء بخلاف المجتمعات المتقدمة .. فان من المشاهد كثرة الوزارات في الدول النامية مع ما تعانيه من قلة الموارد مجاملة لأحزاب او أطياف قوية او عرق قبلي او عائلة مؤثرة لها تأثير في الحياة الاجتماعية او السياسية أو العلاقات الدولية والبسنس الدولي .. والبعض يجمع بين منصبين أو أكثر لاسيما التنفيذية كترفيه .. لمن يسند إليه هذه المناصب المترفة او ترف المنصب تحت ما يعرف ( المشرف العام ).. وعدم مباشرة مهام المنصب يعد خدش في كرامة مكان وانسان الذي وضع المنصب من أجله.. مالم يكون مخفسانية المنشأة أو عدم احترام المكان والإنسان معاً مجتمعاً ومنفرداً الذي تم انشاء المنصب من أجله .. وأول ذكر وظهور لهذه المناصب المترفة في عصر الدولة العباسية بما يعرف تنابلة السلطان .. يعين أحدهم والياً لولاية من ولايات الدولة ولا يباشر مهامها وواجباتها .. ويكلف آخر بدلاً منه .. ويحتفظ بمسمى الولاية ومخصصاتها . ويؤثر البقاء في بلاط الخلفاء أو السلاطين من أجل يكون عن قرب أو قريباً من بلاط السلطان .. ويحظى بإكرامات وعطايا ومكافآت السلاطين .. وهذا أضعف الدولة العباسية هيبةً وتدبيراً حتى اضمحلت واخذت في الضمور وزالت عن الوجود .. وتغلب الأعداء عليها .. فالمناصب المترفة تعد تربة خصبة لجرثومة الفساد وتسلل خلايا الإرهاب تجد ضآلتها بالمنشأة التي تنهج هذا المنحى .. ويتطرق إليها المحسوبية والمجاملة من أجل أغراض أو غاية الفوقية التي تقوم بتصريف أمور المنشأة فالمنشأة القوية التي يخلو منها ترف المناصب او المناصب المترفة تكون في منأى من كل مجاملة ومحسوبية .. وميزانها العدل والإنصاف ، وترف المناصب الذي يعد أحدٍ أسباب زوال أو ضعف المنشأة او سقوطها .. وكل الدول التي تشهد ثورات وانقلابات وصراعات السلطة المعول في ذلك لاشك المناصب المترفة ومطامع أهل الهواء فيها ميولاً وتحقيقاً ..بل احد العوامل الأساسية والرئيسية .. وان كان مستتر غير ظاهر هذه المناصب المترفة أحد مكونات الصراعات والحروب وأيضاً يدخل في المناصب المترفة التعاقد بعد التقاعد من أجل الجمع بين ريعين او اجرين اجر التقاعد واجر التعاقد .. تحت مظلة الخبرة والخبرة الضمنية .. فالمتقاعد بلغ حد النظام وسن التقاعد والسن النظامي وتم احالته بقوة النظام ونتسأل كيف يتقاعد بقوة النظام وإحالته للتقاعد ثم يتعاقد معه هذا نوع من التحايل على النظام كتحايل بني إسرائيل منعوا من الصيد يوم السبت فيضعوا شباكهم يوم الجمعة ويسحبوها يوم الأحد والأسلم تمديد الخدمة بعد بلوغ السن النظامي إذًا دعت الحاجة إلى ذلك .. بدل التعاقد من أجل التوفير ميزانية الدولة وعدم تحميلها أعباء مالية وأيضاً التخفيف على مؤسسة التقاعد .. وكذلك من المناصب المترفة ما هو تحت المبادرات والحوافز والمزايا الوظيفية التشجيعية والعلاوات الإضافية والمحفزات الوظيفية وغيرها .. وأيضاً منها اذا نقل مسؤولاً من إدارة إلى أخرى استصحب معه فريق عمله لا شك هذا يحدث تصادم وصراع ونزاع بين ماجلبه معه من فريق عمل وما كان موجود من فريق عمل او قام بنقل موظفين اخرين من إدارات أخرى على حساب ما هو موجود وهذا هو عين المناصب المترفة ..ان المناصب المترفة تنمو شيئاً فشيئاً في غياب المؤسسات المدنية .. والجمعيات الضاغطة والهيئات الرقابية .. وأجهزة مكافحة الفساد وحرية الإعلام وكلمته باعتباره السلطة الرابعة لإيضاح الواقع وتنوير صاحب القرار .. فالمناصب المترفة جرثومة يجب استئصالها حتى لا يتنامى الفساد ويتمدد في المؤسسات شكلاً ومضمونًا ويتوسع على حساب الأخرين فينتفي الثبات والصدق والموضوعية وتنعدم الأمانة بين العاملين والله الموفق ،،،