في ذات شهر أكتوبر الذي أعلنت فيه تركيا “حرب القرم العالمية” على روسيا قبل 168 عاما يندلع توتر جديد كأنه شظية من صراعات الماضي، بين البلدين بعد تململ موسكو من دعم أنقرة لخصومها في أوكرانيا.
وبدأت حرب القرم 1853 بانتصار روسيا، إلا أنه بانضمام دول أوروبية إلى جانب تركيا واستعانة الأخيرة بقوات من مصر خلال احتلالها لها تحولت لحرب عالمية، وانقلبت النتيجة لصالح تركيا في إطار الصراع الدولي حينها على المضايق والممرات التجارية، هكذا انتهت الحرب الدموية الساخنة، لكن للحرب الباردة الدائرة الآن حسابات أخرى.
ويتفق خبيران في حديثهما لموقع “سكاي نيوز عربية” على أن الأزمة الحالية ترتبط بتداخل المصالح بين البلدين في بلدان أخرى، ما يجعل علاقتهما نموذجا وطعما خاصا، يتخلله الصراع والتوافق في نفس الوقت.
وقبل ساعات، وجه المتحدث باسم الكرملين الروسي، ديمتري بيسكوف، انتقادا إلى أنقرة لتصديرها طائرات مسيرة إلى أوكرانيا، ما مكَّن الأخيرة شن هجمات ضد انفصاليين تابعين لروسيا.
ولأول مرة استخدم الجيش الأوكراني المسيرة التركية في هجوم دمر مدفعية للانفصاليين، بعد اتهامها لهم بالهجوم على قوات أوكرانية تسبب في مقتل جندي وإصابة آخر.
وسبق أن لمَّحت كييف إلى أن أنقرة تساندها في صراعها مع موسكو، حيث وصف وزير الخارجية الأوكراني ديمترو كوليبيا الأتراك بـ”الأصدقاء الحقيقيين”، الذين تعتمد عليهم بلاده لمواجهة “العدوان الروسي” على حد وصفه.
وجدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، سبتمبر، انتقاده لنقل تبعية شبه جزيرة القرم من أوكرانيا لروسيا، كما عالجت تركيا 1000 مصاب أوكراني، وفي يوليو سلمت أوكرانيا طائرات مسيرة من طراز “بيرقدار تي بي 2” قادرة على الطيران 25 ساعة متواصلة مع القدرة على المراقبة والتدمير بصواريخ على متنها.
أسباب التوتر
وعن دوافع التوتر الجديد، يرى الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب أن تركيا تريد أن تكون أوكرانيا نقطة تفاوض للضغط على موسكو في الأزمتين السورية والليبية وملف الصراع في البحر الأسود.
ويوضح راغب أن صفقة الطائرات التركية تستخدم فيها أنقرة السلاح للضغط، إضافة لرغبتها في دخول حلبة المنافسة في سوق الأسلحة، لاسيما وأنها تقدم أسعارا أقل من اللاعبين الرئيسين في صفقات السلاح ولا تضع قيود سياسية لأي دولة في البيع.
ووفق وكالة “سبوتنيك” الروسية، فأهمية القرم لروسيا أنها تضم ميناء “سيفاستوبول”، مقر أسطول البحر الأسود الروسي، وتشكل قاعدة الانطلاق للمياه الدافئة في البحر المتوسط، وتؤمن التواصل مع القاعدة الروسية في ميناء طرطوس السوري.
التفاف حول الأزمة
لا يشتم المحلل السياسي، طارق زياد وهبي، رائحة صدام دموي، قائلا إنه رغم الخلافات فالمصالح المشتركة تحكمها، حيث تحرص تركيا على الوقوف في منتصف الطريق بين موسكو وواشنطن؛ لأن هذا الوضع يناسب أردوغان لتشابك الملفات مع الروس في سوريا وأفغانستان والدول التي بها قوميات تركية وكانت جزء من الاتحاد السوفيتي.
وفي إطار رغبة أردوغان تحسين العلاقة مع واشنطن- يواصل وهبي- فإنه يشهر فقط المصالح الاقتصادية في معظم خلافاته مع روسيا لتعميق فكرة الانتماء لحلف الناتو.
الصديق اللدود
ولا يبعد راغب عن هذا الرأي، فيصف ما بين موسكو وأنقرة بـ”علاقة التعاون والصراع”، تجعل تداعيات الأزمة سياسية فقط، وتظل أنقرة “الصديق اللدود” لموسكو.
ويتوقع أن يكون الرد الروسي “عض أصابع” لتركيا، بدعم سوريا بسلاح نوعي أو مناكفة جديدة في ليبيا.
ويتفق وهبي قائلا: “يتوقف الوضع في عمليات تجسسية ومناورات حربية استعراضية دون صدام مباشر”، متوقعا استمرار التوتر في البحر الأسود لحين تسوية ملف سوريا.