أمّ المسلمين اليوم لصلاة الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور عبدالله البعيجان واستهل فضيلته خطبته الأولى عن سبب إرسال الرسل ونعمة العقل التي وهبها للإنسان فقال: لقد كرم الله وفضل ابن آدم فمنحه العقل، وأناط به الخطاب والتكليف، وشرع له الشرائع وفرض الأحكام، وأحل الحلال وحرم الحرام، وأعد لمن أطاعه الجنة دار الجزاء والثواب، ولمن عصاه النار دار العقاب والعذاب.
وقطع الحجة على الناس ببعثة الأنبياء والمرسلين، فبعثهم إلى الناس مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
أرسلهم بالبينات والهدى والبرهان، وأنزل معهم الكتاب والميزان، ليقوم الناس بالقسط، قال تعالى: { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ } وختم شرائعه وأنبياءه الكرام، بشريعة الإسلام، وبنبينا محمد أفضل الأنام، عليه أزكى الصلاة والسلام.
بعثه الله أسوة وقدوة ورحمة للعالمين، وخاتما وإماما للأنبياء والمرسلين، وشاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، قال تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.
وتحدث فضيلته عن اقتران طاعته ومحبته بطاعة نبيه ومحبته فقال: لقد قرن الله طاعته بطاعة نبيه، وقرن محبته باتباع هديه وسنته، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } وقال: {مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ۖ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا}وقال: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ} فبرهان محبة الله الاقتداء والاتباع لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتمسك بهديه وسنته.
وتحدث فضيلته عن اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم ركن من أركان الإيمان فقال: إن اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم والإذعان والانقياد لها من مقتضيات الإسلام والاستسلام، وركن من أركان الإيمان، وشرط في قبول الأعمال، قال تعالى: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا }.
وقال: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} وقال: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ۗ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا } وقال: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} وقد جعل الله الذل والهوان والصغار على من خالف أمره وسنته، فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وجعل الذل، الصغار على من خالف أمري» رواه أحمد.
واختتم فضيلته خطبته الأولى بتذكير المسلمين أن الله خلق الناس جميعاً حنفاء فقال: إن الله تعالى خلق عباده حنفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحل لهم، وأمرتهم أن يشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا، وإن الله نظر إلى أهل الأرض، فمقتهم عربهم وعجمهم، إلا بقايا من أهل الكتاب.
فارسل إليهم أفضل الرسل، بأفضل شريعة، وأنزل معه أفضل الكتب، فهدى الله به من أراد سعادته وكرامته، وكتب الشقاء والخزي على من رفض منهجه وسنته.
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي، ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به، إلا كان من أصحاب النار» رواه مسلم.
فالخير كل الخير في اتباع السنة، فهي الشرع الكافي، والمنهج الهادي، والعلم الوافي ، ولقد أكمل الله الدين، وأتم علينا النعمة، وبلغ نبينا صلى الله عليه وسلم الرسالة، وأدى الأمانة، ولم يترك خيرا إلا دلنا عليه، ولا شرا إلا حذرنا منه، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن اتباع هدي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء، وخذوها بقوة، الزموا هدي نبيكم، وتمسكوا بسنته، وعضوا عليها بالنواجذ، وأحيوا السنة وعليها فاثبتوا، واصبروا، ولا تهنوا ولا تحزنوا، وأنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين، فعن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أن رسول الله صلى اله عليه وسلم قال: “إن من ورائكم أياما الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن مثلا أجر خمسين رجلا يعملون مثل عملكم» فقيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلا منا أومنهم. قال، «بل أجر خمسين رجلا منكم» رواه أبو داوود والترمذي ، وعن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « بدأ الإسلام غريبا، وسيعود كما بدأ غريبا، فطوبى للغرباء» رواه مسلم وفي رواية فقيل: من الغرباء يا رسول الله؟، قال: «هم الذين يصلحون إذا فسد الناس، والذي نفسي يده ليأرزن الإيمان بين هذين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها». رواه الداني في السنن الواردة في الفتن وغوائلها والساعة وأشراطها.
ثم اختتم فضيلته خطبته الثانية عن التحذير من البدع فقال: لقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من البدع، وقال: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وقال: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فأمره رد» متفق عليه.
وعن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب، فقال رجل: إن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا يا رسول الله؟ قال: «أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة، فإنه من يعش منكم يرى اختلافاً كثيرا، فعليكم بستني وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإيكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» » رواه أبو داوود والترمذي.
البدعة ضلال يشوه الدين، وشتات يفرق وحدة المسلمين، وظلم وشؤم مبين، فامتثلوا أمر الله، واتبعوا رسول الله، والزموا هديه وسنته، قال تعالى: {فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ ۚ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}.