تصريح يحمل كثير من التوفيق أطلقه وزير الطاقة الأمير عبد العزيز بن سلمان، بأن المملكة سوف تصبح دولة منتجة للطاقة وليس للنفط فقط، بل ستكون مثالاً يحتذى به في هذا المجال، وهو ما يعني أن المملكة أعلنت عن نفسها بأنها سوف تواكب التطوير الهائل بقطاع الطاقة بحلول 2030.
ومن خلال متابعتي لهذا التصريح وما أحدثته من ردود أفعال إيجابية على كافة الأصعدة المحلية والدولية ، فإن وزير الطاقة دشن خلال منتدى أسبوع الطاقة الذي عقد الخميس الماضي بالعاصمة الروسية "موسكو" مرحلة جديدة لاقتصاد الطاقة بالمملكة تكون ذروته في عام 2030 ، وهو عام تحقيق رؤية المملكة.
وتهدف المملكة من خلال سعيها لتكون دولة منتجة للطاقة وليس للنفط فقط، هو استغلال قدراتها الاقتصادية وخاصة في مجال النفط من أجل جعل الرياض مركزاً دولياً وإقليمياً لإنتاج الطاقة من منطلق كونها المحرك الرئيس لحركة التجارة الدولية من أقصى العالم إلى أدناه، وسعيها إلى تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على النفط.
وستراعي المملكة في هذا المشروع حماية البيئة وتخفيض الانبعاثات بأرقام مذهلة، وهو ما سيتم الكشف عنه في مؤتمر منتدى "السعودية الخضراء" الذي سيعقد في 23 و24 أكتوبر الجاري، وكذلك مبادرة الشرق الأوسط الخضراء التي تندرج تحت أهداف مبادرة تحسين المناخ في السعودية.
ويأتي ذلك اتساقاً مع عرض المملكة على روسيا موازنة لضبط سوق الغاز الطبيعي، ولم يكن هذا العرض إلا نابعاً من قوة المملكة في هذا المجال الحيوي للطاقة ، وأن المملكة ليست معنية فقط بالنفط دون الغاز الطبيعي، حيث أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على أن المملكة سوف تستثمر بشكل كبير جداً في مجال موارد الطاقة المتجددة، كما توقع الرئيس الروسي أن تكون المملكة دولة رائدة في قطاع الغاز الطبيعي خلال تصريحاته لشبكة " CNBC" الأمريكية.
إن نجاح المملكة واحترامها من قبل العديد من الدول الغربية وخاصة ، روسيا هو نتاج لمجهوداتها في منظمة "أوبك +" التي أدت إلى ضبط أسعار النفط، بعد أن تهاوى خلال فترة جائحة فيروس كورونا، حتى وصل سعر البرميل الآن إلى ما يقارب 84 دولاراً للبرميل.
ومن خلال عملي كباحث ومحاضر بمركز الدراسات العربية الروسية، ارى تطور مضطرد في للعلاقات السعودية الروسية بفضل ما تحظى به شخصية سمو ولي الأمير محمد بن سلمان لدي فخامة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من إعجاب واحترام متبادل.
من هنا فلا لا أستبعد علاقات أكثر قوة ومتانة على كافة المستويات بل الأقرب لتحالف استراتيجي بين الرياض وموسكو، وخاصة عقب منتدى الطاقة ، وعرض السعودية على روسيا ضبط سوق الغاز الطبيعي والذي لاقى اهتمام واسع من المسؤولين الروس، وتوسيع مجالات التعاون ليس فقط على الصعيد الاقتصادي بل في مجالات أخرى.
وفِي المقابل فإن التقارب "السعودي - الروسي "كأكبر مصدري النفط في العالم وثاني أكبر مصدر للغاز الطبيعي ، ربما سيكون محط أنظار الإدارة الأمريكية، خوفاً على مصالحها الاقتصادية والسياسية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما وأن هذا التعاون الراقي بين الرياض وموسكو سيؤدى بطبيعة الحال إلى قيادة الاقتصاد العالمي ولعب دور سياسي أكثر فاعلية في العديد من الملفات العربية والإقليمية ، وخاصة أن موسكو عضو دائم بمجلس الأمن.
لا يمكن قراءة المشهد حيال ملفات الشرق الأوسط، كما قال أحد المغردين "كلما اقتربت واشنطن ذات الحزب البيروقراطي في المكتب البيضاوي تجاه إيران، كلما اقتربت السعودية من روسيا أكثر وأكثر في رسالة واضحة لإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن عنوانها "السعودية ستحمي مصالحها مهما كلف ذلك من ثمن" لأن المعيار الوحيد في السياسة هو المصالح المشتركة. .
ومن المعروف أن العلاقات بين الدول تحمل كثيراً من التقارب والتباعد، لكن الأهم هو عدم الإضرار بالأمن القومي، فبالتالي تتحول العلاقات من مرحلة الاختلاف إلى استهداف الأمن القومي، وتنتهي هذه العلاقات بالمعادلة الصفرية أي لا أحد فائز من هذه الاختلافات.
وفي الختام فإن التقارب بين الرياض وموسكو سيكون أنضج وأفيد للجميع مما حدث بين موسكو وأنقرة، فالسعودية قادرة على بناء علاقات قوية ومتينة وفى نفس الوقت تحافظ على علاقاتها القوية مع بقية الحلفاء الاستراتيجيين، لكون السياسة الحكيمة التي تتمتع بها القيادة الرشيدة تقوم على التفاهم مع الجميع ، والاختلاف لا الخلاف، والتريث في اتخاذ القرارات الحاسمة في بناء العلاقات والابتعاد عن الصدام مع الدول التي لا تعرف مصالح شعبها.
بقلم : عبدالعزيز بن رازن.