فيما يبدو أن العالم مقبل على أوضاع اقتصادية ومالية جديدة، تكون الضرائب هي المحرك الأساسي له ، حيث أقرت أكثر من 136 دولة غالبيتها دول أوربية ، ومن أمريكا الشمالية فرض ضريبة لا تقل عن 15% على الشركات متعددة الجنسيات مثل فيسبوك ، وجوجل وغيرها من الشركات، على أن يبدأ تطبيق القرار في عام 2023.
وعلى الرغم من أن العديد من المحللين الاقتصاديين يرون، أن هذا القرار سوف يدر دخلاً كبيراً يصل إلى 150 مليار دولار سنوياً ، غير أني اختلف معهم في عدة أمور ، فبالنظرة الشمولية لهذا القرار نجد أن الشركات قد تلجأ لتسريح عمالة من أجل توفير نسبة من هذه الضرائب المفروضة عليها ، وهذا يعني ارتفاع نسبة البطالة.
ومن خلال متابعتي لمؤتمر التعاون الاقتصادي والتنمية بالعاصمة الفرنسية "باريس" ، والذي تمخض عنه هذا الاتفاق ،فإن هناك دول لم توقع على هذا الاتفاق وخاصة الدول النامية الغير قادرة على توفير فرص عمل بديلة لمواطنيها مثل :"كينيا - سريلانكا - نيجيريا- باكستان"، ولا أستبعد أن تجد هذه الشركات طرق ملتوية من أجل الالتفاف حول هذا الاتفاق من أجل دفع نسبة أقل من المفروض عليها.
واستشهد هنا بمنظمة "أوكسفام" الخيرية الغير حكومية، عندما انتقدت الاتفاق، مؤكدة أن أكبر المستفيدين من هذا الاتفاق هي الدول السبع الصناعية الكبرى والاتحاد الأوربي، فيما لن تستفيد الدول الفقيرة إلا بنسبة 3% فقط من هذه الضرائب، وكأن الدول الغنية تفصل القوانين وتبرم الاتفاقيات بما يخدم مصالحها من دون غيرها.
كما أن الحصيلة المالية من فرض هذه الضريبة لن تكون مجدية، حيث أنه لو تم توزيع 150 مليار دولار على 150 دولة التي تعتزم التوقيع ، فإن المحصلة مليار دولار هذا المبلغ لن يكون كافي من أجل مجابهة ومواجهة الفقر المدقع الذي تعاني منه الدول الفقيرة.
وبمراجعة البيانات الرسمية فإن نسبة البطالة ارتفعت بشكل كبير في العديد من الدول خلال العامين الماضيين، بل وصلت نسبة البطالة في إحدى الدول لـ40% ، مقابل 5% في دول أوربية مثل بريطانيا ، وفي ألمانيا بلغت 4%، مقابل ارتفاع أسعار الفوائد ففي تركيا بلغت فيها 19%، وهذه المعدلات لا يختلف عليها إثنين أنها مثيرة للقلق جداً، مع ارتفاع نسب التضخم السنوي، الذي يعبر عن ارتفاع أسعار السلع التي تفوق الـ5 %.، بما يعني ضرورة ادخار المواطن العادي 2% من راتبه كل شهر لتفادي التدني في المعيشة مع ارتفاع التضخم، وهذا بالأمر بالمستحيل.
من هنا فإن هذه الضريبة غير عادلة، لأن المستفيد منها الدول الغنية وليست الفقيرة، كما أن الشركات المفروض عليها الضريبة سوف تلجأ إلى رفع أسعار خدماتها المقدمة للمستهلك لتغطية هذه الضريبة، لا سيما الشركات أصحاب الخدمات الأساسية كالنفط والغذاء والدواء.
وفي الختام، فإنه ينبغي على تلك الدول مراجعة هذا الاتفاق الذي ضرره أكثر من نفعه، والبحث عن موارد أخرى غير الضرائب أو أقرب وصف لها هي "الجباية" التي تعود بأوروبا إلى العصور المظلمة.
عبدالعزيز بن منيف بن رازن.
مركز الإعلام والدراسات العربية الروسية.