مكة المكرمة - ياسر الجعيد
أمّ المسلمين اليوم لصلاة العيد في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور بندر بليلة فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن التقوى وأن يتزود المؤمن بالتقوى فقال : اتقوا الله تعالى حق التقوى، فبها أمر الله ووصى (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن وإلا أنتم مسلمون).
ما قرة العين إلا بها، ما ثلج الصدر إلا منها، ما قوت الروح إلا عليها (وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الالباب)، يا عبد الله، يا عبد الله: السعيد من عمل لنفسيه، وأخذ العظة ليومه من أمسية، حسرة الفوت: أشد من سكرة الموت، وأوجع الألم: حرقة الندم، وأشد العذاب: فرقة الأحباب، ما سمع السامعون: أقطع من (اخسئوا فيها ولا تكلمون).
ثم هنأ فضيلته الحجاج والمصلين بعيد الأضحى المبارك فقال : هنيئاً لكم عيد الأضحى الأغر، هنيئاً لكم هذا اليوم الأبر، العيد نهر من المسرَّة لا يقف، وأرج من روض المبرة يقتطف، لا العنت يمنعها لا البؤس يرفعها لا الأسف، في العيد صلةٌ توصل، وهجرٌ يهجر، وكسرٌ يجبر، وعملٌ صالح يبذل، تقبل الله منكم القول والعمل، وحقق ما ترجون من الأمل، وأمتعكم بهذا العيد وأطال بقاءكم في الخير العتيد، والعيش الرغيد.
ثم هنأ فضيلته الحجيج بحجهم فقال : من مثلكم ومن نظيركم؟ إنكم في أطهر البقاع وأزكاها، وأبرك الرباع وأسناها (إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ومن كفر فإن الله غني عن العالمين).
يا لهنائكم يوم أن ثار شوقكم الساكن، فبلغكم أشرف الأماكن، ويا بشراكم إذ خصصتم بالاجتباء والاصطفاء، لترسم خطى الأنبياء الأصفياء، أجبتم الداعي، وأتممتم بفضل الله المساعي، لبيتم وما أنقى الشعار، وصغتم من خير خير مسار.
هذا حرم الله المطهر، وهذا بيته العتيق المستر، وجه الله إليه الوجوه، وفرض على عباده أن يحجوه، نظرت إليه المساجد في كل خمس، وقامت إليه قيام الحرباء للشمس لم تسحب الدنيا عليه غرورها، ولم تجر إليه النفوس شرورها، ولا ألقت الحياة فيه أوزارها وزورها.
ثم تحدث فضيلته عن أول مايقوم به الحاج في يوم العيد فقال : وأول أعمال هذا اليوم أن يقصد الحاج منى، فيرمي جمرة العقبة،حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، ثم يذبح الهدي إن كان متمتعا أو قارنا، ثم يحلق رأسه أو يقصره، وبهذا حل التحلل الأول، ويباح له ما كان ممنوعا منه إلا النساء.
ثم ينزل مكة فيطوف طواف الإفاضة؛ لقول الله تعالى (وليطوفوا بالبيت العتيق) ويسعى بعده سعي الحج، وإن تطيب للطواف بعد الرمي والحلق فحسن؛ لقول عائشة رضي الله عنها: (كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم لإحرامه قبل أن يحرم، ولحله قبل أن يطوف بالبيت) أخرجه البخاري ومسلم.
ولو قدم بعض هذه الأعمال على بعضها فلا حرج عليه؛ فان النبي صلى الله عليه وسلم ما سئل عن شيء قدم ولا أخر إلا قال: (افعل ولا حرج)، ثم يرجع إلى منى فيبيت بها ليالي أيام التشريق، ويرمي الجمرات الثلاث، كل حصيات متعاقبات، يكبر مع كل حصاة، فإذا فرغ من رمي الجمرة جمرة بسبع الأولى والثانية استقبل القبلة ودعا بما أحب، وليكثر الحاج من ذكر الله تعالى؛ فإن الله حض على ذلك فقال (واذكروا الله في أيام معدودات) والأيام المعدودات هي أيام التشريق.
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى بتذكير الناس بعدم إتباع البدع لإنها تخدش وجه الدين فقال: وإن مما يخدش وجه الدين ويلوث بهاءه، ويكدر صفوه وصفاءه: البدع والمحدثات، فكل من تعبد لله بشيء لم يشرعه الله، أو لم يكن عليه هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه الراشدون فقد وقع في شرك البدعة، وفي التنزيل الحكيم (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله) ومن بدائع الحديث النبوي، وجوامع الكلم المصطفوي (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد).
ثم تحدث فضيلته في خطبته الثانية عن أفضل أعمال أيام التشريق فقال: إن أعظم الأعمال عند الله في هذا اليوم وأيام التشريق ذبح الأضاحي (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لاشريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين) وعلى المضحي أن يخلص نيته في أضحيته (لن ينال الله لحومها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم) ولا تكون إلا من بهيمة الأنعام، يضحي بها من كان مقتدرا، ولا بد أن تكون سليمة من العيوب التي تمنع الإجزاء، وكلما كانت الأضحية أكمل في صفاتها فهي أفضل، ووقت الأضحية الذي لا تجوز في غيره يبدأ بعد صلاة العيد، وينتهي بغروب شمس يوم الثالث عشر من ذي الحجة، آخر أيام التشريق التي نهي عن صومها، ومن السنة أن يأكل المرء ثلث أضحيته، ويهدي ثلثا، ويتصدق بالثلث الباقي، تقبل الله قربانكم وقرباتكم، وضاعف حسناتكم، وغفر زلاتكم، اللهم أعز الاسلام والمسلمين وانصر عبادك الموحدين واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين .