أمّ المسلمين اليوم الجمعة في المسجد النبوي فضيلة إمام وخطيب المسجد النبوي الشيخ الدكتور صلاح البدير واستهل فضيلته خطبته الأولى بالتذكير بتقلب الحال وعقاب الله للأمم التي عصت الله فقال: تمر علينا الغدايا والعشايا وتخطفنا الآجال والمنايا وتكدر عيشنا المصائب والبلايا فلا تركنوا إلى دنيا نوالها زوال ودوامها محال وغاية أمرها انتقال وارتحال كم سرت ثم سرت وكم برت ثم برت وكم درت ثم فرت .
وكم من غني ثري كان يلبسن الدفيء اللين من ثيابها وياكلن الطري الناعم من طعامها ويركب الهني الوطي من دوابها حتى برك الزمان عليه بجرانه ووقع عليه البلاء بأثقاله.
فيا من تجمعون حطامها وتكسبون آثامها لا تغرنكم الفسحت ولا تنسينكم المهلة ولا تظنوا أن الدنيا لا تحول ولا تحسبوا أن العطاء لا يزول واعتبروا بقوم قد انهمكوا في المعصية و تركوا الموعظة وتعالوا على التذكرة ولم يقصدوا الشكر ولا أصغوا إلى الإنابة قد فتح الله عليهم رخاء الدنيا وسرورها فظن العبيد أن النعم لا تبيد ففرحوا وبطروا فاستأصل الله شأفتهم، ومحا أثارهم قال جل وعز: {فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيئء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتةفإذا هم مبلسون }.
قال قتادة: ” بغت القوم أمر الله، وما أخد الله قوما قط إنا عتد سكرتهم وغرتهم وتعيمهم فلا تغتروا بالله، إنه لايغتر بالله إلا القوم الفاسقون”.
ثم اختتم فضيلته خطبته الأولى بنصح المسلمين بساعة اللقاء ويوم العرض فقال: فيا تعاست من جدد الله لهم النعم الغزار فنسوا الشكر والاستغفار حتى نزلت بهم النقمت وسلبت منهم النعمة ويا أسفا على غافل لا يفيق إلا بعد فوات الأوان وانقضاء الزمان فتذكروا زمن النقلة وساعة اللقاء والعرض ويوم الحساب والتوفية وتذكروا نشر الصحائف فيها مثاقيل الذر ومثاقيل الخردل تذكروا يوما لا ينفع فيه الأب الشفيق ولا الأخ الشقيق ولا الصديق ولا الرفيق تذكروا ( يؤم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه ) فيا له من شغل شاغل وخطب هائل لا يلتفت فيه أحد إلى قرابته ولا إلى صحابته كل شأنه الضرار والاعتذار لعظم الأهوال وتغير الأحوال.
قال عكرمة: يلقى الرجل زوجته فيقول لها: يا هذه، أي بعل كنت لك؟ فتقول: نعم البعل كنت!
وتثني بخير ما استطاعت، فيقول لها: فإني أطلب إليك اليوم حسنة واحدة تهبينها لي لعلي أنجو مما ترين. فتقول له: ما أيسر ما طلبت، ولكني لا أطيق أن أعطيك شيئا أتخوف مثل الذي تخاف.
وإن الرجل ليلقى ابنه فيتعلق به فيقول: يا بني، أي والد كنت لك؟ فيثني بخير. فيقول له: يا بني.
إنى احتجت إلى مثقال ذرة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى. فيقول ولده: يا أبت، ما أيسر ما طلبت، ولكني أتخوف مثل الذي تتخوف، فلا أستطيع أن أعطيك شيئا.
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن عشر ذي الحجة وفضلها فقال: تحل بكم العشر الزاهرات المباركات هي موطن النفحات وموئل البركات وخير أيام السنة والعشر المفخمة المقدمة المفضلة المبجلة التي أقسم الله بهن لفضلهن على سائر الأيام فقال جل وعز ( وليال عشر) وهي العشر الأولى من شهر ذي الحجة وقد ثبت فضل العمل الصالح فيهن على عمله في غيرهن ففي الحديث العظيم الجليل عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر. قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بنفسه وماله، ولم يرجع من ذلك بشيء» أخرجه البخاري .
هي خير الأيام فضلا وزمانا وأعظمها قدرا و مكانا فأكثروا فيهن من التكبير و التحميد والتهليل وسارعوا فيها إلى الأعمال الصالحة على اختلاف أنواعها وبادروا العشر قبل فواتها واغتنموها قبل انقضاء زمانها واجتهدوا في الطاعات راغبين فيها غير متثاقلين عنها.