لو صحت تصريحات المسؤولين الإيرانيين بشأن موافقة واشنطن على رفع جزء كبير من العقوبات، فإن ذلك يعني تحولا استراتيجيا في سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن بخصوص البرنامج النووي الإيراني، في وقت يحذر فيه الأوروبيون من “الاستعجال”.
وكانت وكالة “رويترز” ذكرت في سابق نقلا عن محمود واعظي مدير مكتب الرئيس الإيراني المنتهية ولايته حسن روحاني تأكيده على موافقة الولايات المتحدة على رفع كافة العقوبات النفطية التي طالت إيران في ظل إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
ورسميا، لم يعلن حتى الآن عن الوصول إلى اتفاق في مفاوضات فيينا، التي تجمع إيران والولايات المتحدة بشكل غير مباشر، وترمي المفاوضات بشكل رئيسي إلى إعادة واشنطن إلى الاتفاق المبرم 2015، مقابل تخلي طهران عن انتهاكاتها المتكررة للقيود المفروضة بموجب الاتفاق على برنامجها النووي.
وفي وقت لاحق، ذكرت “رويترز” نقلا عن متحدث باسم بالخارجية الأميركية طلب عدم ذكر اسمه: “يحاول المفاوضون إعداد مسودة نص تتناول القضايا الرئيسية، لكن مرة أخرى لا اتفاق على أي شيء لحين الاتفاق على كل شيء”.
وأكد المتحدث أن المفاوضات بالغة التعقيد.
وكان بايدن يشدد على عودة إيران إلى الالتزام ببنود الاتفاق قبل رفع العقوبات، وإذا ما صح قبوله برفع جزئي للعقوبات خاصة تلك المفروضة على قطاع النفط الإيراني، فسيكون أقرب إلى سياسة الرئيس الأسبق، باراك أوباما، الذي وُقعت في عهده الاتفاقية النووية مع إيران، وتمكن نظام طهران من الحصول على قُرابة 150 مليار دولار، بعد رفع العقوبات.
تفسير الموقف الأوروبي
فرنسا وألمانيا، الدولتان الأوروبيتان المشاركتان في اجتماعات فيينا بشأن الملف النووي الإيراني، حذرتا عقب التصريحات الإيرانية من “إن العقبات لا تزال قائمة”، وهي تصريحات أُخذت كـ”تنبيه” للولايات المُتحدة من الاستعجال في الاتفاق مع إيران، قبل الاستلام الرسمي للرئيس المتشدد المنتخب إبراهيم رئيسي لمنصبه أوائل شهر أغسطس المقبل.
وزير الخارجية الألماني هايكو ماس قال في مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره الأميركي أنتوني بلينكين: “صحيح أننا حققنا تقدماً، لكن لا يزال ثمة الكثير من الصعوبات التي يجب تجاوزها”.
الحديث الذي أكد عليه نائب وزير الخارجية الفرنسي فرانك ريستر قائلاً “لا يزال ثمة قرارات صعبة يجب اتخاذها”.
وكان مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان قد صرح في وقت سابق “إنه لا يزال هناك مسافة معقولة يجب قطعها، إذ ثمة التزامات نووية يتعين على إيران القيام بها لإنقاذ الاتفاق الذي انسحبت منه الولايات المتحدة من قبل. وهي تصريحات أميركية أقل حدة مما كانت عليه أثناء جلسات التفاوض التي سبقت الجولة السادسة من المفاوضات في العاصمة النمساوية فيينا.
لا تعارض السياسة الخارجية الأوروبية رفع العقوبات عن إيران، لكنها ترى بأن بقاء العقوبات من أهم عوامل الضغط على المفاوضين الإيرانيين، للتوصل إلى اتفاق واضح المعالم، يُخرج المسألة الإيرانية من إطار التصارع الدائم، ويستطيع أن يمنع إيران من ممارسة المزيد من التوتر في محيطها الإقليمي، الأمر الذي يؤثر بعمق على الأمن القومي الأوروبية.
والتحذير الأوروبي ليس الوحيد، فثمة عدد من دول الشرق الأوسط تعتبر التساهل الدولي مع إيران، خاصة الولايات المُتحدة، بمثابة دفع لسباق تسلح استثنائي في المنقطة، فهي تعتبر حصول طهران على أسلحة استراتيجية بمثابة مسٍ بأمنها القومي.
تعزيز شوكة رئيسي
الباحث الإيراني رضا حق غلامي قد شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” تأثيرات الرفع المستعجل للولايات المُتحدة للعقوبات النفطية على إيران.
وقال:”ثمة تأثيرات مركبان لذلك، اقتصادي وسياسية، وكلها يؤدي الغرض نفسه، هو التعزيز المجاني لشوكة الجناح المتشدد من النظام، فالموارد التي سيوفرها رفع العقوبات ربما تصل لقرابة ستة مليارات دولار شهرياً، وهي تعادل كامل الميزانية التشغيلية للنظام الإيراني، بما في ذلك ما تصرفه من أموال على استطالاتها الإقليمية، التي كان واضحاً أنها تعاني من نقص حاد في الموارد”.
وتابع: “كذلك فأن هذا الرفع سيعطي دفعة معنوية قوية للرئيس المتشدد القادم إبراهيم رئيسي، حيث سيشعر مع فريق عمله بمستويات عالية من التساهل معه من قِبل القوى العالمية، بالذات الولايات المتحدة”.
وكانت المفاوضات الدولية مع إيران قد توقفت قبل 5 أيام، بعد 6 جولات من التفاوض، بدأت قبل أشهر.
وأعلن الطرفان بأن الجولة القادمة ستكون لاتخاذ القرارات النهائية، وجميع الأطراف قالت بأن العقبات الفاصلة فيما بينها لا تزال واسعة. لكن التصريحات الإيرانية الأخيرة تدل على وجود قنوات للتواصل بينها وبين الولايات المُتحدة، خارج الإطار الرسمي للتفاوض.
موقع “هاواي تريبيون” الأميركي نشر تقريراً تحليلاً تفصيلياً حول هذا المستوى من التساهل في التوصل إلى أتفاق، الذي قد يؤدي لنفس النتيجة التي قد يفرزها عدم التوصل لأي أتفاق “الحرب”، والمصاعب التي تواجه المفاوضين الأوربيين في ذلك الإطار.
ويقول الموقع: “يقع الضغط على المفاوضين الأوروبيين على وجه الخصوص، ففي وقت يستعد الجميع للتوصل إلى اتفاق، يستعد رئيس جديد متشدد للسيطرة على طهران، وصورته منبوذة في الولايات المتحدة بسبب انتهاكات حقوق الإنسان السابقة، الأمر الذي يبشر بتعقيد الصورة التفاوضية أكثر مما هي عليه بالفعل”.
وتابع: “يجب على الأميركيين، وعلى جميع الأطياف السياسية أن يهتموا بشدة بكيفية سير هذه المفاوضات بسبب المخاطر الكبيرة للغاية: قد يؤدي الفشل في حل القضية النووية دبلوماسياً إلى حرب أخرى في الشرق الأوسط، ستكون ذات أبعاد كارثية، لكنها ليست الكارثة الوحيدة المتوقعة”.
والتحذير الأوروبي ليس الوحيد، فثمة عدد من دول الشرق الأوسط تعتبر التساهل الدولي مع إيران، خاصة الولايات المُتحدة، بمثابة دفع لسباق تسلح استثنائي في المنقطة، فهي تعتبر حصول طهران على أسلحة استراتيجية بمثابة مسٍ بأمنها القومي.