تعودنا من جماعة الإخوان المتأسلمين توجيه الانظار إليها في كل معاركها الإقليمية والمصيرية، وكلنا نتذكر كيف تداعى الإخوان مع انهيار الليرة التركية، وفي مقاطعة المنتجات الفرنسية خدمة لأردوغان ومصالح تركيا، وفي الوقوف ضد الرباعي العربي أثناء مقاطعة قطر، وفي مسرحية حركة حماس مع إسرائيل مؤخرًا، لكن بعد حرب غزة أين وجهة الإخوان القادمة؟
كل المؤشرات توضح بأن معركة الإخوان القادمة هي اليمن، وقد باتت ملامحهما تلوح بالهجوم المتواصل والغير مبرر نحو التحالف العربي، ولم يكن ذلك سوى المدخل الذي سيجعل “الجماعة” تجد لها موضعاً لخوض الحرب مع التحالف سواء على الأرض كما أوضحت بعض المصادر أو بقاءها مستمرة في الإعلام.
خلال الأيام الماضية تعالت أصوات سياسيين وبرلمانيين وصحفيين يمنيين لإعادة النظر في العلاقة بين الشرعية والحكومة اليمنية والتحالف العربي لدعم الشرعية الذي تقوده السعودية ، مع موجة جديدة من الاتهامات المبطّنة والصريحة للتحالف بانتهاك سيادة البلد الممزق الذي تقتات هذه النخبة على لعبة تغيير الكراسي و الاصطفافات وبيع الولاءات الإقليمية وإشهار ورقة “السيادة” حينا، والتلويح باستدعاء لاعبين جدد إلى الملعب اليمني أحيانا أخرى ، وهو ليس أمرا جديدا على جماعة الإخوان بل يكاد يكون ظاهرة سارت على نهجها هذه الجماعة والتنظيم الدولي للإخوان منذ إعلان عاصفة الصحراء لتحرير الكويت والوقوف ضد التحرير حينها بشدة .
ما يحدث اليوم أمرًا متكررًا ولكن بصورة أكثر حدة، فمشهد استحضار السيادة الغائبة لدى البعض منهم باتت تقارن بين دور التحالف العربي في اليمن وبين التدخل الإيراني لصالح الحوثيين؛ بل تدعوا للنفير ضد التحالف بعد أن سمته (بالمحتل)، عبر مغالطة أيدولوجية تاريخية مركزة يراد تسويقها لمعركة الإخوان القادمة.
بعد ٩٠ عام من ظهور جماعة الإخوان يبدو لي بأنها أشبه بحالة مرضية نحو كل ما هو لصالح العرب، وهو ليس بالأمر اليسير علاجها بمجرد غياب الأسباب ذلك لأن كل العوارض لا تزال تشير إلى أن تلك الحالة يمكن أن تقود إلى الاستمرار والبقاء إذا لم يتم تطويقها من كل الجهات وبكل الأساليب، فما فعله الإخوان لا يمكن شطبه من التاريخ والحياة العامة والسياسية خصوصا بإزاحتهم هنا أو هناك مهما حاول البعض ردم الهوة وتقليل المخاطر وصولا إلى سلام مع هذه الجماعة والذي لم يكن مدرجا على قائمة مشاريعها بتاتًا.
ولا يغيب عن الذهن، أن مظلومية الجماعة التي تفاقمت عبر العقود، أنتجت نوعاً من التشدد لدى أجيالها نحو الدول العربية لاسيما الخليجية منها التي تزخر بالأموال والحياة والمعيشة والرفاهية العالية ، بالتالي لم تكن الجماعة من حيث كونها حزباً أيديولوجياً متطرفًا ، ستجد لها دوراً في إطار المصالحة العربية ، بغير تحول جديد ، يضمن لها السلطة ، فبغير ذلك لا خيار آخر لها، طالما أن العالمين العربي والإسلامي، يسلطان الضوء على السلام والتعايش ، على النحو الذي من شأنه إحراج و إخراج الجماعة من المشهد ، فهي التي ظلت على مر العقود، تسعى إلى إعادة تنظيم صفوفها الحزبية لالتهام السلطة ، بعد سلسلة من الضربات التي تلقتها، وثابرت على بناء اقتصادها، وإعادة بناء تنظيمها، انطلاقا من مطارح انتشارها في الإقليم، وفي بعض مواضع الساحة الدولية .
نعم أقفل الإخوان على أنفسهم الباب ووضعوا المفتاح مثل لغم تحت وسادة الحصول السلطة وهو ما يقودهم نحو الهاوية، فالمجتمع العربي أصبح يعي ويدرك ما يحاك له وقد يكون درس الربيع العربي الإخواني أبلغ وأقسى درس عرفته الشعوب مؤخرا.
بقلم: الأستاذ / فهد ديباجي