في مشهد لم تعهده مؤسسات وأجهزة الحكم المركزية في إيران، ترك اعتراف المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي حول “الظلم الذي تعرض له بعض المرشحين المُستبعدين من قبل مجلس صيانة الدستور” ارتباكا شديدا وتساؤلات حول مستويات التنسيق بين مختلف الأجهزة التابعة والمرتبطة بالمرشد، وبالتالي حول سلطة “مجلس صيانة الدستور”، الذي يعتبر صمام ضبط لمراكز القوة المتنافسة حول المرشد.
تصريحات المرشد الذي جاءت عقب ردة الفعل الشعبية الداخلية الناقمة والاستثنائية من قرارات المجلس من مرشحي الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها خلال الشهر الجاري، والذي استبعد المرشحين النافذين القادرين على خلق منافسة قوية في مواجهة إبراهيم رئيسي، الذي يبدو وكأنه مرشح المرشد لتلك الانتخابات، مما خلق انطباعا بأن هذه الانتخابات ستكون خالية تماما من أية منافسة، حتى بين تيارات السلطة الحاكمة نفسها، المحافظين والإصلاحيين بالذات.
مؤشرات الامتعاض الشعبي ظهرت من خلال مؤشرات استطلاعات الرأي التي نشرتها المؤسسات الرسمية الإيرانية نفسها، والتي تثبت التراجع الكبير في مستويات المشاركة الشعبية في الانتخابات، إذ أشار استطلاع أجرته وكالة استطلاعات الطلاب الإيرانية ISPA، وبعد يوم واحد من قرار مجلس صيانة الدستور، بأن 34 في المئة من المُستطلعين قالوا بأنهم سيشاركون في الانتخابات الرئاسية، مقابل 58 في المئة قالوا بأنهم لن يشاركوا، فيما لم يحسم 8 في المئة مواقفهم، وهي أدنى مستوى رسمي لنسبة المشاركة المُعلنة رسميا، وأقل بـ 12 في المئة من الاستطلاعات التي كانت قد جرت قبل قرار المجلس.
مفترق طرق
المراقبون للمشهد الإيراني قالوا بأن مؤسسات الحكم الإيرانية أمام مفترق طرق، بين واحدة من شرعيتين: فإما أن يتراجع مجلس صيانة الدستور عن قراراته التي أتخذها بشكل جازم – تسعة أصوات مقابل ثلاثة- وتاليا يظهر بشكل علني وكأنه خاضع لسلطة المرشد وليس لما يأتيه من تقارير ووثائق للتثبت من أهلية المرشحين، وعليه يفقد شرعيته السياسية والدستورية، أو أن يستمر المجلس على قراره المُتخذ، ليكون الرئيس المقبل ناقص الشرعية، باعتراف المرشد نفسه، الذي قال بأن بعض المُستبعدين من السباق الرئاسي قد تعرضوا لظلم عبر الاستبعاد.
الباحث في الشؤون الإيرانية الداخلية نديم شكاكي، قال في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”: “كان واضحا في حديث المرشد من أنه يقصد المرشح المُستبعد علي لاريجاني، وهو الوحيد الذي يمكن إعادته إلى السباق الرئاسي، وليس الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد، الذي يعتبر مرشح الحرس الثوري، أو حتى نائب الرئيس الحالي جهانغيري. فالمرشد من خلال إعادة لاريجاني يسعى للظهور وكأنه الراعي التام للتيار المحافظ في البلاد، وأنه ليس ثمة خطر على النواة الصلبة للنظام الحاكم من أية شخصية من ذلك التيار”.
ردة الفعل المرشح المُستبعد علي لاريجاني كانت مباشرة تماما، إذ قال عن طريق كبير مستشاريه الإعلاميين محمد مهاجيري: “يجب على مجلس صيانة الدستور أن يشرح بوضوح وسرعة وشفافية سبب ارتكاب مثل هذا الخطأ الكبير، ويجب الإعلان عن كل شخص وكيان قدم معلومات خاطئة”.
كذلك قال صادق لاريجاني، شقيق علي لاريجاني وعضو مجلس صيانة الدستور، إن “تنحية أخيه بسبب معلومات كاذبة قدمتها أجهزة المخابرات”، وهو تصريح جريء ما كان لأحد في إيران أن ينطق به لولا خطاب المرشد.
وأعقب تلك التصريحات دعوة بعض أعضاء البرلمان الإيراني، ومرشحين آخرين للسباق الرئاسي، إلى إعادة لاريجاني إلى السباق الرئاسي، على الرغم من أن الحملة الانتخابية لباقي المرشحين جارية على قدم وساق، وحملة لاريجاني متوقفة تماما.
موقع المجلس الأطلسي للدراسات نشر بحثا مطولا عن صراع آخر يجري في الخفاء بين مراكز القوة المحيطة بالمرشد، والتي يستند كل واحدة منها إلى مؤسسة سلطوية وسياسية بعينها، جاء فيه “ما تم تجاهله في بعض التحليلات الأخيرة هو صعود مجتبى خامنئي، الذي ظهر دوره في التطورات السياسية بعد الانتخابات الرئاسية عام 2009. ويعتقد أنه ساعد في توجيه فرز الأصوات المزورة وقمع المعارضة – المعروفة باسم الحركة الخضراء – التي أعقبت ذلك. يعمل خامنئي الأصغر سنا على تعزيز نفوذه تدريجيا في الحرس الثوري وقوات ومؤسسات أمنية أخرى تحت القيادة المباشرة لوالده. كانت هناك تقارير حديثة في وسائل الإعلام غير الرسمية تفيد بأن سلطات مجتبى في مكتب والده قد زادت، وأنه تم تفويضه بمزيد من المهام الإدارية ومهام صنع القرار”.
وإذا كانت هذه التقارير صحيحة، فقد يخطط مجتبى لاستخدام قوات الأمن، وخاصة الحرس الثوري الإيراني، للتأكد من أنه سيحل محل والده.
ومع ذلك، يحتاج مجتبى إلى تقويض الرئيس المستقبلي لتعزيز السيطرة، وذلك بتشويه سمعة أي مرشح رئاسي راهن، من خلال التشكيك بشرعيته.
وقد تؤدي عملية التدقيق، التي يبدو أنها تضمن فوزا سهلا للمرشح إبراهيم رئيسي، في الواقع إلى الإضرار بسمعته، خاصة إذا كانت نسبة الإقبال منخفضة وفشل في جمع الخمسة عشر مليون صوت التي حصل عليها في عام 2017، عندما خسر أمام الرئيس الحالي حسن روحاني.