أم المسلمين اليوم الجمعة في المسجد الحرام فضيلة إمام وخطيب المسجد الحرام الشيخ الدكتور عبدالله الجهني فتحدث فضيلته في خطبته الأولى عن انقضاء شهر رمضان وكأنه ساعات فقال : مضى جل رمضان وكأنه ساعات بل كأنه لحظات، وما زال سائرا ولن يتوقف لتوقف متكاسل أو متثاقل أو متباطئ، وقافلته ماضية لا تنتظر قاعدا ولا توقظ راقدا، ولم يبق منه إلا القيل، والقليل الباقي فيه الخير العميم والأجر العظيم، والأعمال بالخواتيم.
نسأل الله أن يصلح لنا ما مضى وما بقي، وأن يجعله شاهدا لنا لا علينا، شاهد للمؤمن بطاعته وعبادته وقربه من ربه عز وجل، وشاهد على من قصر بتقصيره وتفريطه، وقطب رحى سعادة المرء في الدنيا والآخرة أن يشغل نفسه بالقبول لا بالأعمال، قال ابن رجب الحنبليّ، رحمه الله في لطائف المعارف:(المُعَوَّل على القَبول لا على الاجتهاد، والاعتبارُ بِـبِـرِّ القُلوب، لا بعمَل الأبدان!رُبَّ قائم حظُّه مِن قيامه السَّهر..كم مِن قائمٍ مَحـــروم، وكم مِن نائمٍ مَرحوم..؟! هذا نامَ وقلبُه ذاكِـــر، وذاك قامَ وقلبُه فاجـــر!إنَّ المقاديرَ إذا ساعدَتْ؛ ألحَقَت النائمَ بالقائم..! لكنَّ العبدَ مأمورٌ بالسَّعي في اكتسابِ الخيرات، والاجتهادِ في الأعمال الصالحات، وكلٌّ مُيَسَّر لما خُلق له).
واختتم فضيلته خطبته الأولى نصح المسلمين بالاجتهاد في ما تبقى من الشهر فقال : فاجتهدوا يا رعاكم الله في الإخلاص في طاعته سبحانه وتعالى، وخصوا ما بقي منه بمزيد من الدعاء أن يتقبل منكم، وتعرضوا لنفحات الله – سبحانه وتعالى- بكثرة القراءة والتكبير والركوع والسجود والتهليل والتسبيح والتحميد وأكثروا في أيامه من الصدقة والإحسان إلى الفقراء والمساكين، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَى ٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).
وتحدث فضيلته في خطبته الثانية عن العشر الأواخر من رمضان فقال: فاعلموا رحمكم الله أن أفضل شهركم هذا عشره الأخير، فيها ليلة مباركة هي خير من ألف شهر، تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر، فيها يفرق كل أمر حكيم، تكتب الحوادث والتدبير، يصل فيها الرب ويقطع، ويعطي ويمنع، ويخفض ويرفع، ويميت ويحي، ويسعد ويشقي، وتجري أقلام القضاء والتقدير، وقد كان من هديه عليه الصلاة والسلام، أن يجتهد في هذه العشر ما لا يجتهد في غيرها، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر أحيا الليل ، وأيقظ أهله ، وشد المئزر . رواه البخاري رحمه الله.
وأخرج الترمذي وابن ماجه والنسائي وأحمد عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، قالت: قلت يارسول الله ﺃﺭﺃﻳﺖ ﺇﻥ ﻋﻠﻤﺖُ ﺃﻱُّ ﻟﻴﻠﺔٍ ﻟﻴﻠﺔُ اﻟﻘﺪْﺭِ ، ﻣﺎ ﺃﻗﻮﻝ ﻓﻴﻬﺎ ؟ ﻗﺎﻝ : ((ﻗﻮﻟﻲ: اﻟﻠﻬﻢ ﺇﻧﻚ ﻋﻔﻮٌّ ﺗﺤﺐ اﻟﻌﻔﻮَ ﻓﺎﻋﻒُ ﻋﻨﻲ.
وهذا الهدي النبوي الكريم يدلُّ على اهتمامه بطاعة ربِّه ، ومبادرته الأوقات ، واغتنامه الأزمنة الفاضلة . فينبغي للمسلم الاقتداء بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم فإنه هو الأسوة والقدوة ، والجِد والاجتهاد في عبادة الله ، وألاّ يضيع ساعات هذه الأيام والليالي ؛ فإنه لا يدري لعله لا يدركها مرة أخرى باختطاف هادم اللذات ومفرق الجماعات والموت الذي هو نازل بكل امرئ إذا جاء أجله ، وانتهى عمره ، فحينئذٍ يندم حيث لا ينفع الندم .