في اليوم الذي أخذت فيه الاشعة فوق الصوتية قرأت في التقرير كلمة أعرفها جيدًا ولم أتخيل يوما ما أن تكتب في تقرير يخصني
(Carcinoma)
وتعني سرطان خبيث، تجاهلتها فالأمل بالله كبير. وفي يوم موعد الأشعة الخاصة بالصدر ، غابت الممرضة قليلا ثم عادت قائلة: الطبيبة تود التحدث معك قبل رحيلك (وبالعادة تقارير الأشعة تأخذ عدة أيام لصدورها). أتت الطبيبة وقالت: لابد من أخذ خزعة للتشخيص ولكن أنا قلقة من النتيجة وقد يكون سرطان، تمالكت نفسي ووكلت أمري للخالق جل وعلا وسألتني إذا ماكان أحد معي فأخبرتها بأني بمفردي ورحلت متوكلة على الحي القيوم.
كانت الفترة بين الأشعة والخزعة للتشخيص النهائي نوعا ما طويلة حيث تخللها اجازة الحج (تقريبًا ثلاثة أسابيع).قضيتها في الدعاء والتوسل والتضرع لله بأن تكون النتيجة حميدة. وبعد انتهاء الإجازة، أخذت الخزعة وانتظرت النتيجة عدة أيام. كنت أمشي كعادتي في استراحة الغداء في العمل حين تلقيت اتصال من المستشفى يطلبون حضوري لمعرفة النتيجة وباءت محاولاتي بالفشل لمعرفتها بالهاتف. أصرت إحدى صديقاتي مشكورة الذهاب معي. دخلنا عند الطبيبة كانت مرتبكة نوعا ما ولكي أسهل الموضوع عليها أخبرتها أن عندي خلفية طبية وأني قرأت التقرير الذي كُتب فيه التشخيص المبدئي، هنا تنهدت وقالت النتيجة نفس التي قرأتيها ويجب تحويلك لقسم الأورام كي يبدأ علاجك ثم بدأت تشرح وقالت أنا مسترسلة في الحديث لأني أرى أنك قوية. في الحقيقة لست قوية ولكني راضية مستسلمة لقضاء الله وقدره. عشت خمسة وثلاثين عاما في نعم لا تعد ولا تحصى ولله الحمد هل يحق لي أن أتسخط في أول امتحان قوي أمر فيه!!
القبول هو مفتاح النجاح في الحياة ليس في المرض فقط. الحياة مليئة بالفرص الأخرى والأقدار التي كتبها الله ولا نعلم حكمتها. عندما تخرجت من البكالوريوس كنت أحلم بوظيفة في الجامعة فأنا أميل للأبحاث العلمية وأستمتع بالعمل الأكاديمي كثيرا لكن لم يكتب لي نصيب، قبلت بالأمر وبحثت عن فرص أخرى وطرقت باب آخر وتوظفت ولله الحمد في فترة وجيزة. بعدها كان لدي عقبة التخصص فقد كنت راغبة بشدة في تخصص تقويم الأسنان ولا شيء غيره ، وحريصة على أن يكون بدرجة الماجستير لحبي للأبحاث ولا شيء غيره أيضا. للأسف لم يكن ماجستير تقويم الأسنان متوفرًا داخل المملكة إلا في مدينة الرياض ولم يكن خيار السفر خارج المملكة متاحًا لظروف زوجي ، لكن مشيئة الله فوق كل شيء فخلال أقل من ثمانية أشهر من حصولي على الوظيفة أصبحت طالبة ماجستير لأول دفعة في طب وتقويم الأسنان بجامعة الملك عبدالعزيز في جدة في منزل أهلي دون غربة ولا شتات ولله الحمد. وكان الدرس المستفاد أنني لمّا رضيتُ بما لديّ فتح الله بابا لتحقيق رغبتي دون تخطيط ولا جهد مني.
القبول بالواقع والمضي للأمام يفتح أبوابًا أخرى ويبعث بالطمأنينة. وقوفك عند باب واحد قد يحرمك الحصول على فرص أجمل و أفضل وأنسب لظروفك وحياتك.
قبولي لمرضي فتح لي أبواب الراحة ولله الحمد والتأقلم مع الظروف وبعث السكينة في نفوس أهلي وأبنائي كما أنه فتح لي باب العودة للكتابة التي انقطعت عنها منذ دخولي الجامعة سنة ٢٠٠٣. أؤمن بأن لكل قدر كتبه الله حكمة عظيمة لا أعلمها ودائما أنصح : اسأل نفسك ماذا أفعل الآن ؟ ما الشيء المفيد الذي يمكن أن أفعله ويتناسب مع ظروفي الحالية؟ وليس الوقوف والنحيب على النفس والندم على ما فات وتضييع الوقت.
القبول مفتاح الحياة ...