سيذكر التاريخ عاجلاً أو آجلاً؛ أن المجتمع السعودي؛ هو أصبر المجتمعات على الأذى، وأصلبها عودًا في مواجهة الظلاميين، وهو بطل المقاومة المعاصرة ضد التجهيل والأدلجة والوصاية التي مورست عليه باسم الدين لأهداف غير دينية. لقد نجح المجتمع السعودي منذ البدء في تجاوز محالاوت عزله عن العالم، وصندقته في ظَلامات وظُلمات، لتسهل السيطرة عليه واستخدامه ضد وطنه وأمنه واستقراره.
* بعد توحيد شتات البلاد في مملكة واحدة على يد مؤسسها وموحدها (الملك عبد العزيز آل سعود) طيب الله ثراه؛ تحقق للمجتمع النصر على الثالوث الخبيث الذي لازم جزيرة العرب عدة قرون: (الخوف والجوع والمرض)، فتفرغ الكل للبناء. لكن.. كيف يتحقق البناء بمعزل عن العالم المتحضر والمتحول..؟ أخذ هذا المجتمع سريعًا في استيعاب أدوات النهضة، ومنها استخراج النفط والتعليم، كيف لا وتركيبة الملك عبدالعزيز نفسه الفكرية والنفسية كانت نهضوية. استوعب المجتمع مخترعات ومنتجات علمية حديثة، مثل السيارة والطائرة واللاسلكي والراديو. فُتحت الطرق، وشُيدت المباني، وبدأ التحول الفكري المنسجم مع طبيعة البشر.
* كان التعاطي مع كل جديد مختلف؛ محفوفًا بمخاطر جمّة في عهد المؤسس وفيما تلاه في عقود عدة. مع ذلك؛ تغلبت الإرادة النهضوية على كل محاولات الصندقة من جديد. ظلت عملية التحديث والتطوير والتجديد تسير بوتيرة متناغمة مع التقدم في المجالات العلمية والعملية، حتى بلغت أوجها في عهد سلمان المجد والعز. وصل السعوديون إلى أقاصي أوروبا وأميركا وآسيا سيّاحًا وطلابًا للعلم والمعرفة. اكتشفوا العالم من حولهم. عندما عادوا لمجتمعهم المتحفز؛ كانوا بناة حقيقيون، وهداة علم وعمل ونهضة ودين قائم على خدمة الإنسان وإعمار الأرض، وليس تظليمه وحجره وصندقته واقتياده إلى الموت قبل أوانه. عملية التحديث والتطوير الطموحة؛ جعلت من المملكة وجهة لملايين البشر للعبادة والعمل، كما شجعت على تصدير قوى بشرية سعودية مليونية للسياحة والتعليم.
* لم يدخر الظلاميون محليًا وإقليميًا ودُوليًا وسيلة للحرب على هذا المجتمع وإعادة صندقته إلا مارسوها. كله باسم الدين وبلاد الحرمين..! استغلوا كافة الظروف السياسية المحيطة، وما كان يطرأ من حوادث في هذا البلد المحيط أو ذاك للتأثير علينا. كان مشروع السيطرة على المجتمع السعودي وما زال؛ يقوم على محورين: (الأدلجة والوصاية). أدلجة إخوانية، ووصاية صحوية. اثنان في واحد بطعم العلقم. تخريب فكري وسوط بالعصا. الحمد لله أننا كنا وما زلنا نعرف من نحن ومن هم.
* تتجه البلاد للاستعانة بخبرات دولية؛ أو تتعرض لعدوان غاشم كما حدث أيام الغزو على الكويت؛ فترتفع الحناجر غير المخلصة لبلادها: أخرجوا المشركين من جزيرة العرب..! وليتهم بدأوا بأنفسهم، فخرجوا من ملابس المشركين، ومن سياراتهم وطائراتهم وإذاعاتهم وتلفزاتهم، وتوقفوا عن أكل أغذيتهم وأدويتهم، وعادوا إلى خيامهم وبغالهم وحميرهم وأعشابهم..!
* صورة أخرى مجدَّدّة ومضحكة نعيشها اليوم من عواصم أوروبية- شركية أو كفرية- على أيدي مناضلين ومجاهدين عربًا من فنادق خمس نجوم، تجهد لإعادتنا للصندوق الظلامي، فهي تتحرق على القرآن الكريم ولغته، وتتباكى على هُوِية العرب المهددة، والحرمين الشريفين، ومناسك الحج والعمرة..! لأن: (نيوم وذا لاين) اسمان جديدان ظهرا لمكانين في شمالي البحر الأحمر من ديار العرب..! مما يهدد دين الإسلام في أرض الحرمين..! يا للهول..!! ويعذر كل ناعق من هؤلاء المناضلين الفندقيين؛ لأنه من المؤكد لا يعرف أن دين الإسلام جاء للعالمين كافة، وأن القرآن جاء مخاطبًا لكل الأمم وليس للعرب وحدهم، وقد لا يدري هؤلاء وفي مقدمتهم من يقول أنه (حامدي هاشمي)؛ أو يدري ولا يريد أن يدري؛ أن في القرآن الكريم وفي لغة العرب؛ مئات وآلاف المفردات الأعجمية، من فارسية ورومية وحبشية ورومية وخلافها.
* المضحك للغاية في خطاب الصحوة الفندقية من لندن وباريس وإسطنبول وخلافها؛ أن هذا اللوذعي الفطحل هو وأمثاله؛ خرج من بلد عربي إسلامي إلى بلد لغته الرسمية فرنسية، ونظامه الحقوقي فرنسي، وأكثر ما فيه من (نُهَج وزنقات) وفنادق؛ هي بأسماء غير عربية. خرج إلى بلاد أعجمية، يتكلم لغتها، ويلبس لبسها، ويأكل أكلها، ويحتمي بنظامها، ويتحدث من قنوات في سمائها، فيظهر وهو يرتعد ويرتجف خوفًا على تغريب اللغة في أرض عربية، وعلى مستقبل لغة العرب وقرآنهم ودينهم والعروبة والإسلام..! ما هذا العري والخزي الذي يمارس باسم هذا الدين الحنيف..؟! أحدهم كان يتابع هذه اللغة المأجورة والهابطة لهذا وأمثاله، فهاتفني غاضبًا وقال: (أقسم بالله؛ أني حينما أرى هذا الحامدي وأمثاله؛ فإني أتميز غيظًا، وأود لو أخرج من ثيابي، فأذهب إليه مشيًا على أقدامي، حتى أريه أن بعض العري خير من بعض)..!
* قالت العرب قديمًا: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت). وقالت: (من كان بيته من زجاج؛ فلا يرمينّ الناس بالحجارة)، والحامدي وأشباهه من عديمي الحياء، وإلا.. فهو من دولة عربية، لغتها الرسمية فرنسية، وهي عضو فاعل في الفرنكفونية العالمية لا تستطيع الانفكاك منها لو أرادت. من الأحق إذن بهذا التباكي الديني العروبي؛ المملكة العربية السعودية..؟ أم بلدان المتباكين يا ترى..؟! ألم يقرأ ويقرؤون في القرآن الكريم الذي يتباكون عليه قول الله عز وجل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ...}..؟ أو ما ورد من شعر بليغ في مثل حالهم المضحكة:
يا أيها الرجلُ المعلّمُ غيرَه
هلاّ لنفسك كان ذا التعليمُ
ونراك تُصلح بالرشاد عقولنا
أبدًا.. وأنت من الرشاد عديمُ
ابدأ بنفسك فانهَها عن غَيِّها
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يُقبل ما تقول ويُهتدَى
بالقول منك، وينفع التعليمُ