على مدار سنوات طويلة، نجد صيحات المأمونين تتعالى أصواتهم بالقول "آمين" من دخل الفؤاد عندما يدعو الإمام في صلاة القيام والتهجد "اللهم اقص الدين على المدينين"، مما جعلني أتسأل الآن إذا كان هذا الحال منذ سنوات فما بالنا من أحوال الناس في وقتنا الراهن في ظل الكساد الاقتصادي وانتشار وباء كورونا.
وأستحضر هنا بعض كلمات المفسرين المخضرمين عن "الدين" مثل الشيخ محمد متولى الشعراوي رحمه الله تعالى الذي أكد أن من يصبر على المدين ربما يؤجر أكثر من الذي أعطى صدقة أو هدية لكونه يصبر نفسه على استرجاع حقه.
والبشرى السارة لمن يصبر على دينه هو أنه كلما صبر فإن عداد الأجر والثواب لا يتوقف عن احتساب الحسنات، بل يرفع الله درجات الصابرين على ديونهم في جنات النعيم والرضوان، فالصابر على دينه كالمزارع الذي ألقى بذر محصوله في الأرض، وينتظر أن تثمر وكلما صبر كانت الثمرة يافعة.
ولنا في الصحابي الجليل قيس بن سعد بن عبادة خير مثال على الصبر على الدين، حيث كان من أجود الناس وأكرمهم، لكونه يعطي كل من يسأله من دون أن يغضب أو يبخل، إذ كانت يداه لا تتوقف عن العطاء بسخاء.
وعندما ألمّ به المرض لم يجد أي من أصدقائه أو من الناس المدينين له، ولما سأل خدامه عن السبب قالوا له إن الناس يستحون أن يأتوك لكثرة ديونهم لك، فأمر مساعديه أن يذهبوا لهم ويعلنون أن قيس عفا عن دينه فقبل عليه الناس لدرجة أن عتبة منزله قد انكسرت من كثرة المحبين.
ومن هنا فإن الحاجة مُلحة اليوم ليكون بيننا "قيس" ليس في بلد معين فقط وإنما في كل دولة من بلدان المنطقة العربية، للصبر على الدين أو العفو عن المدين نظراً لحالة الركود والكساد الذي يمر به العالم.
في مثل هذه الأوضاع فنحن في حاجة لإطلاق مبادرات من أجل تسديد الدين عن المدنيين، أو إسقاطها مثلما فعل "قيس" على الأقل هذا العام احتراماً لهذه الظروف العصيبة التي يمر بها الجميع، ولنا في عام الرمادة عبرة وعظة، فقد أمر أمير المؤمنين الفاروق عمر بن الخطاب باللطف مع المدينين والانتظار إلى ما بعد زوال الغمة عن الأمة.
وفى الختام، فلابد أن أذكر أصحاب الدين بموقف إنساني لرجل أعمال سعودي قام بشراء منزل بمزاد في تبوك، حيث يبلغ ثمن المنزل حوالي مليون ريال، وذلك بهدف إعادته للورثة، بل وسجله بأسمائهم، وهم سيدتان وابنهما من ذوي الاحتياجات الخاصة، وليتذكر أولى الألباب قول الله تعالى :" وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ".
بقلم :عبدالعزيز بن رازن.
التعليقات 1
1 pings
م فايز الفرحان الدهمشي
06/01/2021 في 4:00 م[3] رابط التعليق
بارك الله فيكم ا عبدالعزيز بن رازن
فعلا مقالك من روائع المقالات
خصوصا في توظيفك للكنوز
من التراث الاسلامي
وايضا من قصص وقتنا الحاضر
التي تحتاج اليها لنعود إلى
ايام الطيبين ايام الزمن الجميل
ايام التراحم والتلاحم
لبناء السعودية الجديدة
السعودية العظمي بأهلها وحكامها
(0)
(1)