قاسمُ بنُ محمد الرجب، صاحبُ مكتبةِ المثنى، ومن كبار الكُتبيينَ الذين مرُّوا بالعالم العربي، لعلَّه سيكون من الإثراء المعرِفي؛ استعراض مسيرة رائد من رواد الشارع الثقافي العراقي، الذي لم يكن هدُفه لنشر الكتاب هو مجرد حبِّ حيازة المال؛ وإنّما كان شغفاً بالمعرفة وعلاقة روحية مع الكتاب، وفناء الذات من أجل المعرفة.
كل هذه التفاصيل، التي عاشها المثقفُ، في سوق السراي ذلك المنطلقُ الأولُ لقاسمِ الرجب، في مكتبة نعمان الأعظمي.
وُلِد قاسم الرجب في الأعظمية التي تُنسب إلى الإمام الأعظم أبي حنيفة النُّعمان، سنة ١٩٢٠م وكان أهل هذه البلدة يعملون في الدِّباغة؛ لذلك انتشر القَرَع بين ساكني هذه البُقعة، لوجود المستنقعات، التي تتكاثر فيها الحشرات والبعوض، بسبب الجلود التي تُدْبغ.
ولأنَّ أسرة الرجب حالُها كحال بقية الأسر من الفقر وقِلّةِ ذاتِ اليد، لذا ترك ثلاثةٌ من أبناء هذه الأسرة مقاعدَ الدراسةِ مُبكراً، اكتفى الرجبُ من دراسته بالابتدائية،
ولأن الثقافة وتمددها في عروق المثقق ليست بحاجة إلى شهادات فقد عمِل في هذه المكتبة مدةً مديدة،
قبل أن يؤسسَ مكتبة المثنى الخاصة به، في سوق السراي مُلتقى المثقفين، ومهوى أفئدة عشاق الكتب
-و قبل أن ينتقل لشارع المتنبي أحد أبرز معالم بغداد الثقافية- ولهذا السوق الشعبي، قصص من غرام رواده في الكتب، كما سَردَ لنا قاسمُ في مذكراتِه بقوله:
"فهذا عباسُ العزاويُ الأديبُ والمؤرخُ والمحامي،كان يترددُ إلى السوقِ أربعَ مراتٍ أو أكثرَ، في اليومِ الواحدِ
فلا يفوتُه كتابٌ مطبوعٌ ولا مخطوطٌ"
وقد أوردتُه ببعضِ التصرُّفِ، فلا غَرْو أن تنشأَ العلاقةُ وترتبطَ في هذه الأماكنِ التي تتعالى فيها الأفكارُ و تتهاتفُ فيها الأوراحُ لا إخلادَ هنا بل هو السموُ عن
كدورةِ وثِقْلِ المادياتِ إلا من الطريقِ الموصِلةِ إلى نهاياتِ الشغفِ ومُكْثِه ريثما ينطلقُ من جديدٍ راسماً المعنى في تغاليفِ المادةِ، إنّها قِصصُ العشقِ ما فتئتْ تتوالى على تلكُمُ الخُشُبِ التي جعلها أصحابُ المكتبات على الأرصفة تعرضُ الأدمغةَ، وتأخذُ حيَّزاً هامشياً ما كان له أن يكون لو كان الوعي بالمعرفة هو الدليل الهادي إلى سواء الأمر الإلهي باقرأ وربك الأكرم.
لم يكن الرجب كُتبياً لا يعي مافي حوانيت الورَّاقين من ذخائرِ المعرفةِ بل هو خِرِّيتُها الذي تنجلي أما عدسة منظاره مُغلقاتِ المخطوطاتِ والمطبوعاتِ في حرصٍ ودأبٍ لا يفتُرُ.
سالم صعيكر البلوي
ماجستير إدارة أعمال