لكل منظمة ومؤسسة وقطاع ومجتمع معاييره في التوظيف، بعضها ماهو وفق ممارسات صحيحة وصحية ترتقي بالعمل، وترتقي بالمجتمع، وترتقي بالمنطقة، وتحافظ على النسيج الاجتماعي، وبعضها ما يخضع لممارساتٍ غير صحيحة وغير صحية أشبه ماتكون بقانون الغاب، يغلب عليها المحسوبية، أو كما تصفها لهجتنا العامية" ثقاف المسافيط والواسطة "، وفي رواية أخرى "فيتامين واو ".
وماأشبه الليلة بالبارحة، فقد ورد عن الملك فيصل بن عبدالعزيز -رحمه الله- بمافيه من قوة شخصية وحرص على فرض الشرع والنظام، قوله المشهور: نستطيع أن نقضي على كل شيء إلا الواسطة.لكن ماتوفر لنا اليوم من تطور تقني واكتروني ، والذي من خلاله نستطيع تقويض التدخلات البشرية في عملية الاختيار والمفاضلة ، لابد من استثماره بشكل الصحيح ، وحتى لانكون مثاليين ونطالب مجتمعنا غير المثالي بتطبيق أعلى المعايير الحديثة والمعاصرة الدولية في التوظيف، مثل: الشفافية في الإعلان عن الوظائف، وتولي لجان متخصصة مستقلة عملية التوظيف، ووجود معايير محددة ومعينة للاختيار، وحصر كافة القدرات لطالبي التوظيف، وعدم حصر قرار التعيين بمسؤول واحد، فإننا نطالبه بالاستفادة مما وصل إليه العالم الحديث في مجال الموارد البشرية عموما، والتوظيف خصوصا وفق أفضل الأساليب، ونشر الوعي، وتذويب العادات الاجتماعية الراسخة والسلبية في التوظيف تحت بند الفزعة، التي أخرتنا كثيراً على المستوى المهني؛ لذلك لابد أن يكون لدينا أولويات في التوظيف، أولها: الكفاءة والفعالية، وهذه تعرف عن طريق الإنجازات والخبرات والشهادات، ثم يأتي بعد ذلك -وهو لبّ مقالنا- توظيف أصحاب المنطقة والأقرب فالأقرب؛ من حيث المساحة الجغرافية، فهم أصحاب هذا المكان وهذا الحيز، وهم أولى بمقدراته إذا كان ذلك لايتعارض مع توجهات الوطن الكبرى، وكما قال المثل:"جحا أولى بلحم ثوره".
فليس من المعقول أن يكون هناك وظيفة في منطقة ما أو منطقة نائية، ويوجد من أهلها كوادر قادرة على ملء هذا الشاغر وهذه الوظيفة، ثم نأتي بمن هو خارج المنطقة؛ ليحل في هذه الوظيفة بناء على تدخلات ودوافع معينة، ويجمع مع قطع هذه الوظيفة على أهلها تحمل غربتها ومشاق الانتقال إليها!
إن إيجاد بيئات محفزة للعمل، وتكوين منظمات تعمل عملا مؤسسيا غير مرتبط بأشخاص ليس بالأمر الهين، فالتغيير في المفاهيم يحتاج إلى وعي، و إلى تجرد وقرار ، ومادعاني إلى كتابة هذا المقال هو أني زرت إحدى قرى بلادي الغالية، ورأيت على بعد أميالٍ منها شركة ضخمة قيمتها السوقية تجاوزت ٧ مليار ريال، لايوجد في هذه الشركة الضخمة التي تصنف ضمن القطاع الخاص أي موظف من سكان هذه القرية، رغم وجود عاطلين فيها ممن يملكون شهادات ومؤهلات،
كذلك لايوجد لهذه الشركة أي مساهمة فعلية محسوسة لتطوير هذه القرية من باب المسؤولية الاجتماعية ، مثل ماتفعله حالياً كافة شركات العالم المعاصر والمتحضر،
فهي لاتعمل إلا على امتصاص مقدرات هذه المنطقة،
ولايكون محصول هذه القرية من هذه الشركة إلا الغبار وسحب المياه الجوفية، وهذا الوضع لايعقل ولايرضاه العقلاء من أبناء قومي والمسؤولين .
لذلك نطالبهم بالتدخل عبر هيئة مكافحة الفساد، أو وزارة الموارد البشرية، أو أي جهات مستقلة معنية بحوكمة ومتابعة معايير التوظيف لمثل هذه الشركات الضخمة، والعمل على استفادة المنطقة وأهلها من ثرواتها بالطرق الصحيحة والمشروعة.
والدولة -أعزها الله- بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الذي يقول دائماً: " اللي مافيه خير لأهله وقريته مافيه خير لوطنه" حريصة كل الحرص على ازدهار الوطن والمواطن في كل منطقة ومحافظة وقرية، وحريصة على استفادة المواطن من مقدرات وطنه ومنطقته وقريته؛
لذلك لابد لهذه الشركات الكبرى، ومن يتولى كبرهاوضع أهالي المنطقة وفق أولوياتها، والعمل على تقديم
أفضل الخدمات للمنطقة، وتوظيف الموارد الاقتصادية من هذه المنطقة لخدمة الموارد البشرية فيها.
ونظراً لما نشهده اليوم من تطور ملحوظ في مجال مكافحة الفساد والشفافية، سأتطرق في مقالي القادم إلى بعض شركات القطاع الخاص بالأسماء، التي لديها بعض الممارسات السلبية التي تنافي الأنظمة والقوانين التي وضعتها وزارة الموارد البشرية، كما سيتم تسليط الضوء على الشركات التي ليس لها أي دور في المجتمع ، مع أنَّ المسؤولية المجتمعية تحتم عليها تقديم مبادرات بنسب معينة لصالح المواطن والمجتمع.
والله من وراء القصد.
أ. حمود الديحاني.